
في عالمٍ باتت التحديات السياسية والاقتصادية تلقي بظلالها على مستقبل الأمم، برزت الحاجة إلى منصة تجمع القادة والمفكرين لصياغة رؤى استراتيجية تعيد رسم ملامح الغد، ومن هنا جاء تأسيس المنتدى الاستراتيجي العربي كمبادرة رائدة تسعى إلى تحليل المتغيرات الإقليمية والدولية، واستشراف المستقبل، ووضع استراتيجيات تعزز استقرار المنطقة ونموها.
لم يكن المنتدى مجرد ملتقى فكري، بل كان استجابة ذكية للتحولات العالمية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث تعرضت صورة العالم العربي لتحديات جسيمة، وفي هذا السياق لعبت دبي بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، دوراً محورياً في تحسين صورة العرب على الساحة الدولية، من خلال مشاريع تنموية، ورؤية اقتصادية طموحة، وترسيخ قيم التسامح والانفتاح، حيث أصبح المنتدى الاستراتيجي العربي منصة تجمع صناع القرار من مختلف أنحاء العالم لمناقشة القضايا المصيرية، وإيجاد حلول مستدامة تسهم في إعادة رسم ملامح المنطقة، بعيداً عن الصور النمطية والمفاهيم المغلوطة، وقد عبّرت كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في الدورة التي عُقدت بداية العام 2024 عن غاية الدولة من تأسيس هذا المنتدى حيث قال:
” موقعنا الفريد منحنا منذ القدم ميزة استثنائية لنكون جسراً إنسانياً وحضارياً للتواصل بين جهات العالم، ونؤمن في دولة الإمارات بتنوع الرؤى بين الدول في السياسة والاقتصاد والنظرة الخاصة إلى شؤون العالم، واستراتيجية التعاطي مع الأزمات المستجدة والتحديات التنموية والاجتماعية، وإن الأزمات التي تواجهها الدول والشعوب اقتصادياً وسياسياً، ستبقى عابرة مهما بدت صعبة.”
أسباب ودوافع التأسيس:
شهد مطلع الألفية الجديدة تحولات جيوسياسية واقتصادية هامة، أبرزها تداعيات العولمة، وتطورات التكنولوجيا، والتحديات الأمنية المتزايدة، وخصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة وما صاحبها من تشويه صورة العرب والمسلمين في العالم، لذا برزت الحاجة إلى منصة عربية تستشرف المستقبل وتناقش التحديات والفرص من منظور استراتيجي، والمنتدى الاستراتيجي العربي جاء استجابة لهذه الحاجة، بهدف تعزيز الحوار وتبادل الرؤى بين صناع القرار والخبراء.
الدورة الأولى للمنتدى وأبرز المشاركين:
عُقدت الدورة الأولى للمنتدى عام 2001 -2002 تحت اسم “منتدى دبي الاستراتيجي” واستضافت هذه الدورة شخصيات بارزة من مختلف المجالات، من بينهم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، الذي ألقى الكلمة الرئيسية، وتضمنت الجلسات نقاشات حول التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه المنطقة، وسبل تعزيز التعاون الدولي لمواجهتها، وقد تمت دعوة عدد من مشاهير الإعلام مثل توماس فريدمان، بِن برادلي، صموئيل هانغتون، ومجموعة كبيرة من الباحثين والمفكرين.
وهنا يذكر المسؤول عن تنظيم الدورة الأولى للمنتدى معالي محمد عبد الله القرقاوي، الذي كان حينها مدير عام سلطة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية والإعلام، حادثة حصلت بينه وبين الإعلامي توماس فريدمان، حيث شهدت قاعة المؤتمر لحظة توتر عندما أشار صحفي خليجي خلال الجلسة وبحسن نية، إلى أن فريدمان انتقل بين المدن بطائرة خاصة، في إشارة إلى كرم الضيافة العربي، لكن فريدمان اعتبر الأمر محرجاً، فأزال سماعته، وجمع أوراقه، وغادر القاعة غاضباً، وكانت الجلسة بحضور الشيخ محمد بن راشد، وشعر محمد القرقاوي أن انسحاب فريدمان يمثل انتكاسة لمحاولات التقارب الثقافي، فاندفع للحاق به قبل أن يغلق المصعد، قائلاً “أنت تدعو للحوار والانفتاح، فكيف لا تتقبل سؤالاً بريئاً؟” وكانت لحظة فارقة، جعلت فريدمان يعيد التفكير، فيضغط زر العودة، ويكمل الجلسة أمام ألف شخص.
أبرز الدراسات والتقارير الصادرة عن المنتدى:
أصدر المنتدى الاستراتيجي العربي العديد من التقارير والدراسات التي تهدف إلى استشراف المستقبل وتحليل المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي، وفيما يلي أبرز هذه التقارير مع تفاصيلها:
تقرير المعرفة العربي 2009 : سلّط هذا التقرير الضوء على الفرص والمخاطر المرتبطة بعمليات حيازة وإنتاج ونشر المعرفة في العالم العربي، وأبرز التقرير الحاجة إلى تعزيز دور المعرفة كمدخل لتسريع وتيرة التنمية في المنطقة
تقرير حالة العالم العربي 2014: قدّم هذا التقرير عشرة سيناريوهات محتملة لمستقبل العالم العربي، بما في ذلك
- استمرار الدول العربية الرئيسية المصدرة للنفط في تنويع اقتصاداتها
- تسريع وتيرة التدفقات التجارية مع الصين
- اشتداد المنافسة على إنتاج النفط مع الولايات المتحدة
- تأثيرات سلبية لتعثر الاقتصاد الأوروبي على اقتصادات دول شمال أفريقيا
تقرير آفاق الاقتصاد العالمي والإقليمي وتحديات السياسة 2015: بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، رصد هذا التقرير التحولات الاقتصادية العالمية، مثل:
- التحول المتوقع في السياسة النقدية الأمريكية.
- انتقال الصين إلى نموذج نمو جديد
تقرير تكلفة الربيع العربي 2015: رصد هذا التقرير بالأرقام التداعيات السلبية للربيع العربي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، حيث بلغت التكلفة الإجمالية حوالي 833.7 مليار دولار، شاملةً:
- خسائر الناتج المحلي
- تراجع قطاع السياحة.
- تكلفة اللاجئين
- خسائر أسواق الأسهم والاستثمارات
تقرير حالة العالم 2015: استعرض هذا التقرير الصراعات والأزمات العالمية، ومناطق النزاع البارزة، والتغيرات السياسية المتوقعة في الولايات المتحدة، أوروبا ، الصين، العالم العربي.
” نحن نرى الخير أكثر من الشر، والسلم أطول من الحرب والأمل أبقى وأكبر من اليأس ولكننا هنا فقط نطرح أسئلة في هذا المنتدى على نخبة من المتحدثين ونخبة من الجمهور والهدف هو فهم أوضح لسير الأحداث من حولنا وخلق عالم أفضل لنا ولأجيالنا القادمة” – محمد القرقاوي
تقرير حالة العالم 2016: بالتعاون مع مجموعة يورو آسيا، استعرض هذا التقرير أبرز الأحداث المتوقعة في المنطقة العربية والعالم سياسياً واقتصادياً لعام 2017، باستخدام أدوات الاستشراف السياسي والاقتصادي.
تقرير 5 أحداث في السنوات الخمس الماضية تعيد تشكيل الواقع العربي2018: تناول هذا التقرير خمسة أحداث رئيسية أثّرت على المشهد العربي خلال السنوات الخمس السابقة، وانعكست تداعياتها على الساحة العالمية، مما ساهم في صياغة المشهد السياسي والاستراتيجي للعالم العربي
تقرير العالم في 2030: اتجاهات وتحولات وفرص وتحديات 2018: بالتعاون مع مؤسسة Future World Foundation، توقع هذا التقرير حدوث تحولات طويلة الأجل في مركز الثقل الاقتصادي العالمي، مع بروز قوى اقتصادية جديدة وتراجع نفوذ القوى التقليدية، كما رجّح التقرير تقويض مؤسسات النظام الدولي الحالي وبروز مبادرات لصياغة نظام دولي جديد
تقرير 11 سؤالاً للعقد القادم 2019: بالتعاون مع مؤسسة Good Judgment Inc، استشرف هذا التقرير أبرز الأحداث العالمية في السنوات العشر المقبلة، متناولاً موضوعات مثل:
- النمو الاقتصادي العالمي.
- الصراعات التقنية بين الصين والولايات المتحدة.
- مخاطر الهجمات السيبرانية.
- مستقبل منظمة أوبك في ظل اقتصاد عالمي خالٍ من الكربون
تقرير “تكلفة الحروب” الذي نوقش خلال دورة عام 2024: هذا التقرير أعده معهد الدراسات الأوروآسيوي، تناول الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على النزاعات المسلحة في المنطقة العربية. وقد أشار التقرير إلى أن التكلفة التي تكبدها العالم العربي بفعل الربيع العربي بين العام 2010 و2014 وصلت إلى حوالي 833.7 مليار دولار، إضافة إلى 1.34 مليون قتيل وجريح بسبب الحروب والعمليات الإرهابية، وبلغ حجم الضرر في البنية التحتية ما يعادل 461 مليار دولار، عدا ما لحق من أضرار وتدمير للمواقع الأثرية التي لا تقدر بثمن.
كما حظي المنتدى بتغطية إعلامية دولية واسعة، حيث اهتمت وسائل الإعلام العالمية بمناقشاته ومخرجاته، على سبيل المثال، في دورة عام 2018، استعرض المنتدى تحليلات حول التحديات الجيوسياسية والاقتصادية، مما جذب اهتمام وسائل الإعلام العالمية التي سلطت الضوء على أهمية هذه التحليلات في فهم مستقبل المنطقة، وفي دورة عام 2016، دعا كل من ليون بانيتا، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية ووزير الدفاع الأمريكي السابق، ورئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، إلى إنشاء تحالف إقليمي ضد الإرهاب، وهو ما لاقى صدىً واسعاً في وسائل الإعلام الدولية التي أبرزت أهمية هذه الدعوة في تعزيز الاستقرار الإقليمي
أبرز الضيوف والمتحدثين:
على مر السنوات، استضاف المنتدى الاستراتيجي العربي العديد من الشخصيات البارزة في المجالات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية وأبرز هؤلاء الضيوف:
- بيل كلينتون – الرئيس الأمريكي الأسبق
- فرانسوا هولاند – الرئيس الفرنسي السابق
- ديفيد كاميرون – رئيس الوزراء البريطاني الأسبق
- ليون بانيتا – وزير الدفاع الأمريكي الأسبق
- روبرت جيتس – وزير الدفاع الأمريكي الأسبق
- جون كيري – وزير الخارجية الأمريكي الأسبق
- كولن باول – وزير الخارجية الأمريكي الأسبق
- جيرارد شرودر – المستشار الألماني الأسبق
- دومينيك دو فيلبان – رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق
- حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني – رئيس وزراء قطر الأسبق
- عمرو موسى – الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية
- خافيير سولانا – الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي الأسبق
- هنري كيسنجر – وزير الخارجية الأمريكي الأسبق
- مادلين أولبرايت – وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة
- توني بلير – رئيس الوزراء البريطاني الأسبق
- جيمس وولفنسون – رئيس البنك الدولي الأسبق
- كريستين لاغارد – المديرة العامة لصندوق النقد الدولي السابقة
- محمد البرادعي – المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية
الخلاصة
عموماً، يمثل المنتدى الاستراتيجي العربي منصة لمناقشة قضايا سياسية واقتصادية ترتبط بالمنطقة والعالم. وبالمقارنة مع منتديات عالمية مشابهة مثل المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الذي يركز على القضايا الاقتصادية العالمية والتعاون بين القطاعين العام والخاص، أو مؤتمر ميونيخ للأمن الذي يتناول قضايا الأمن والسياسة الدولية، يتميز المنتدى الاستراتيجي العربي بتركيزه على القضايا المتعلقة بالمنطقة العربية وتقديم تحليلات مستقبلية مرتبطة بها.
وتظل الفروقات بين هذه المنتديات قائمة من حيث نطاق النقاشات والمشاركين وأهداف كل منتدى. وبينما تسعى المنتديات العالمية إلى مناقشة قضايا ذات طابع دولي واسع، يركز المنتدى الاستراتيجي العربي على تقديم رؤى تخص المنطقة العربية وتحليل انعكاسات التحولات العالمية عليها. وبهذا، يوفر المنتدى فرصة لتبادل وجهات النظر حول التحولات الإقليمية والعالمية في سياق استشرافي.