الإثنين, 31 مارس, 2025


جائزة نوابغ العرب – دعم الابتكار وتمكين العقول العربية
مارس, 2025
جائزة نوابغ العرب

عبر التاريخ، كان الإبداع العلمي والفكري محركاً رئيسياً لنهوض الحضارات واستدامة تطورها، ولم يكن العالم العربي استثناءً من هذه القاعدة، فقد أسهمت العقول العربية في تأسيس معارف أساسية في الطب، والرياضيات، والفلك، والهندسة. ومع ذلك شهدت المنطقة في العقود الأخيرة تحديات عديدة حدّت من دورها في المشهد العلمي العالمي، مما أدى إلى تراجع تأثيرها في مجالات الابتكار والتكنولوجيا.

الشيخ محمد بن راشد
« من 5 »

في عام 2022، أُطلقت مبادرة “نوابغ العرب” من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بهدف اكتشاف ودعم الكفاءات العربية في مختلف المجالات العلمية والفكرية. ولا تقتصر المبادرة على تكريم النوابغ من العرب، بل تهدف إلى توفير إطار عملي يساعد المبدعين على تحقيق نتائج ملموسة يمكن توظيفها لخدمة مجتمعاتهم وتعزيز حضورهم على المستويين المحلي والدولي.

استئناف الحضارة يبدأ من البحث عن صناعها الحقيقيين… والأمة التي تقدر علماءها ونوابغها ومفكريها وتمكن صناع الحضارة فيها في طريقها الصحيح للسيادة والريادة والتفوق في المستقبل

محمد بن راشد آل مكتوم

مبادرة لوقف هجرة العقول العربية

تستهدف المبادرة تهيئة بيئة أكثر ملاءمة للمبدعين والعلماء، في ظل تحديات تعاني منها المنطقة، أبرزها غياب منظومة متكاملة تحفّز الابتكار وتستثمر في المواهب بفعالية، ورغم ما يمتلكه العالم العربي من طاقات فكرية وعلمية، لا يزال نقص الدعم المؤسسي والبنية التحتية البحثية يشكل عائقاً أمام تحقيق إنجازات ملموسة. وتسعى المبادرة إلى سد هذه الفجوة من خلال توفير منصة لتكريم وتمكين المبدعين.

تُعَدُّ هجرة العقول العربية من الظواهر البارزة التي تؤثر على مسارات التنمية في الدول العربية، إذ تشير الإحصاءات إلى أن العالم العربي فقد نحو ثلث طاقاته البشرية بسبب هجرة الأدمغة، مع ملاحظة أن حوالي 50% من هؤلاء المهاجرين هم أطباء متخصصون، و23% مهندسون ، ومن أسباب هجرة العقول العربية:

  1. ضعف الاستقرار السياسي والاجتماعي:  تُعَدُّ الأوضاع السياسية غير المستقرة، والصراعات الداخلية، والاضطرابات الاجتماعية من العوامل الرئيسية التي تدفع الكفاءات إلى البحث عن بيئات أكثر استقراراً​
  2. تدني مستوى الدخل والبطالة:  يُساهم انخفاض الرواتب وارتفاع معدلات البطالة في دفع الكفاءات للبحث عن فرص عمل أفضل في الخارج
  3. انعدام الفرص المناسبة: قلة الفرص المتاحة للتطوير المهني والبحث العلمي تدفع الكفاءات إلى الهجرة بحثاً عن بيئات تُمكِّنهم من تحقيق طموحاتهم
  4. ضعف الاستثمار في البحث العلمية:  قلة الموارد المخصصة للبحث العلمي والتطوير تُقلِّل من فرص الابتكار والتقدم، مما يدفع الباحثين والعلماء إلى البحث عن بيئات تدعم أبحاثهم
  5. القيود على الحريات الأكاديمية: الباحثون والعلماء يبحثون عن بيئات تضمن لهم حرية البحث والتعبير، وعند غياب ذلك في دولهم، يتجهون إلى دول توفر هذه الحريات

ووفقاً لتقرير نشره موقع  Global Economy، جاءت سوريا في صدارة الدول العربية من حيث هجرة الكفاءات بمعدل 8.1، تلتها المغرب بمعدل 7.4، واليمن بمعدل 6.7، والعراق بمعدل 6.4، ولبنان بمعدل 6.3 .

تهدف مبادرة نوابغ العرب إلى الحد من ظاهرة هجرة العقول العربية من خلال توفير بيئة داعمة للمبدعين داخل أوطانهم، في محاولة لمنافسة الفرص التي تتيحها المؤسسات الأكاديمية والبحثية في الخارج، ورغم أهمية هذا التوجه، إلا أن نجاحه يتطلب أكثر من مجرد مبادرات، إذ يتعين معالجة المشكلات الهيكلية التي تدفع الباحثين والمبدعين للهجرة، مثل نقص التمويل البحثي، وضعف السياسات الداعمة للابتكار، وغياب بيئة أكاديمية مستقرة ومستدامة، فبدون إصلاحات جوهرية، قد تظل هذه المبادرة مجرد خطوة محدودة الأثر في مواجهة تحديات أعمق تعيق نهضة علمية حقيقية في العالم العربي.

“محمد بن راشد قائد يدرك أهمية التحرك والتغيير والتطوير، ويراهن على الإنسان العربي لرفع سقف الطموحات على مستوى المنطقة”

محمد عبد الله القرقاوي – رئيس اللجنة العليا لمبادرة نوابغ العرب

كيف تُمنح جائزة نوابغ العرب وما هي ميزاتها:

جائزة نوابغ العرب

تُمنح جائزة نوابغ العرب، للفائزين في الفئات ست فئات رئيسية، وتتضمن الجائزة: ​

  1. مكافأة مالية: يحصل كل فائز على مبلغ مليون درهم إماراتي لتمويل أبحاثه ومشاريعه المستقبلية.
  2. جائزة معنوية:  يُقدَّم للفائزين ميدالية تحمل اسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، صُممت بمشاركة مجموعة من المصممين العرب لتعكس مكانة الجائزة وارتباطها بصُنّاع الحضارة من العلماء والمفكرين والنوابغ العرب

بالإضافة إلى ذلك، يحصل الفائزون على دعم شامل يشمل فرص التعاون مع مؤسسات محلية وعالمية رائدة، بهدف تعزيز تأثير أعمالهم وتوسيع نطاق إنجازاتهم على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. ​

وتُشرف على الجائزة لجان تقييم متخصصة لكل فئة من الفئات الست، تضم مختصين وخبراء في المجالات المعنية، حيث تم تكليف شركة “كي بي إم جي لوار جلف” (KPMG Lower Gulf Limited) بالتعاون مع قادة الفكر المتخصصين في القطاعات المعنية بفئات المبادرة، بالإشراف على مرحلة الترشيح والتقييم للنوابغ العرب.

فئات الجائزة:

تُمنح الجائزة ضمن ست فئات رئيسية تغطي مجالات علمية وفكرية مختلفة، وهي:

  • العلوم الطبيعية:  تشمل تخصصات مثل الفيزياء، الكيمياء، والرياضيات.
  • الطب:  تغطي مجالات الطب البشري والبحوث الطبية.
  • الأدب والفنون:  تضم مجالات الأدب، الشعر، الفنون التشكيلية، والموسيقى.
  • الاقتصاد:  تشمل الدراسات والبحوث الاقتصادية.
  • الهندسة والتكنولوجيا:  تغطي مجالات الهندسة بفروعها المختلفة والتكنولوجيا المتقدمة.
  • العمارة والتصميم: تشمل مجالات التصميم المعماري والتصميم الصناعي.

نوبل العرب:

تهدف جائزة نوابغ العرب إلى أن تكون معياراً عربياً للاعتراف بالإنجازات العلمية والفكرية، بحجم “جائزة نوبل” العالمية.  وتسعى الجائزة إلى إبراز دور العقول العربية في المشهد العلمي والثقافي، في ظل تحديات تدفع الكثير من المبدعين للبحث عن الفرص خارج أوطانهم، ومن خلال هذا التكريم، تُطرح إمكانية توفير بيئة محلية أكثر دعماً، تتيح لهؤلاء المتميزين الاستمرار في تطوير أعمالهم وتحقيق تأثير ملموس في مجتمعاتهم.

وفي هذا الإطار، لا تقتصر المبادرة على تكريم الإنجازات، بل تسعى إلى خلق بيئة مستدامة تتيح للنوابغ العرب العمل والتطوير داخل أوطانهم، بدلًا من البحث عن الفرص في الخارج، ومع تزايد التحديات التي تواجه الإنتاج المعرفي في المنطقة، يطرح المشروع تساؤلاً حول مدى قدرته على سد الفجوة بين الطاقات العربية المتاحة والبيئة التي تحتاج إلى المزيد من الدعم والتطوير لاستيعابها بشكل فعال.

 

مقارنة بين جائزة نوابغ العرب والجوائز العالمية المشابهة

الميزة الرئيسية المجالات قيمة الجائزة سنة التكريم الجائزة
التركيز على دعم المواهب العربية العلوم، الطب، الهندسة، الأدب، الاقتصاد، التصميم 1 مليون درهم إماراتي لكل فائز (6 ملايين درهم سنوياً) 2023 جائزة نوابغ العرب
تكريم عالمي للأبحاث والاكتشافات الفيزياء، الكيمياء، الطب، السلام، الأدب، الاقتصاد 10 ملايين كرونة سويدية 1901 جائزة نوبل
تكريم الإنجازات العلمية والثقافية في العالمين العربي والإسلامي الدراسات الإسلامية، الأدب، الطب، العلوم 750 ألف ريال سعودي 1979 جائزة الملك فيصل
دعم البحث والابتكار في المجال الطبي العلوم الطبية فقط 100,000 – 300,000  درهم إماراتي 1999 جائزة الشيخ حمدان

 

أبرز الفائزين بجائزة نوابغ العرب:

دورة 2023 “الدورة الأولى”:

الطب: الدكتور هاني نجم من المملكة العربية السعودية

الهندسة والتكنولوجيا: البروفيسور فاضل أديب من لبنان

الاقتصاد: الدكتور محمد العريان من مصر

العلوم الطبيعية: البروفيسورة نيفين خشاب من السعودية

العمارة والتصميم:  المعمارية لينا الغطمة من لبنان

الأدب والفنون:  البروفيسور واسيني الأعرج من الجزائر.​

 

دورة 2024 “الدورة الثانية”:

العلوم الطبيعية: البروفيسور عمر ياغي من الأردن.​

العمارة والتصميم: المهندس سهل الحياري من الأردن.​

الهندسة والتكنولوجيا: البروفيسور أسامة الخطيب من سوريا.​

الاقتصاد: البروفيسور ياسين آيت سحالية من الجزائر.​

الأدب والفنون: الفنان ضياء العزاوي من العراق.​

الطب:  البروفيسورة ياسمين بلقايد من الجزائر.​

تسليط الضوء على النوابغ العرب يعيد تشكيل التصورات السائدة عن العالم العربي، الذي يُنظر إليه غالباً من منظور اقتصادي أو سياسي ضيق، متجاهلاً ثراءه الفكري والعلمي، فوجود هذه العقول الاستثنائية ليس مجرد ظاهرة فردية، بل يعكس إمكانات معرفية لم يُستثمر فيها بالشكل الكافي، وتأتي هذه الجائزة كمحاولة لإعادة الاعتبار لدور العلماء والمفكرين العرب، ليس فقط كأفراد متميزين، بل كنماذج يمكن أن تسهم في إعادة تشكيل أنماط التفكير في مجتمعاتهم وعلى المستوى الدولي.

إحدى النتائج الحتمية لمثل هذا التكريم هي بناء شبكة مترابطة من العقول العربية، مما يخلق فضاءً لتبادل المعرفة والخبرات، عوضاً عن استمرار العمل بشكل فردي أو في بيئات معزولة، فالإبداع العلمي لا ينمو في الفراغ، بل يتطلب بيئة تعزز التعاون وتعزز فرص الابتكار المشترك، هذا التفاعل بين العقول قد يؤدي إلى مشاريع بحثية رائدة، وشراكات أكاديمية، وريادة أعمال قائمة على المعرفة، وهي عوامل أساسية لأي تنمية مستدامة حقيقية في المجتمعات العربية.

علاوة على ذلك، تتيح الجائزة للفائزين فرصاً للحصول على دعم مؤسسي واستثماري نادراً ما يتوفر لهم في السياقات التقليدية، فالتقدير العلني لإنجازاتهم لا يمنحهم مكانة رمزية فحسب، بل قد يفتح لهم آفاقاً جديدة من التمويل البحثي، والتعاون مع مؤسسات علمية مرموقة، وفرصاً لتطبيق أفكارهم عملياً، لكن الأثر الحقيقي لا يكمن فقط في تمكين الأفراد، بل في إمكانية تحويل إنجازاتهم الفردية إلى حراك فكري وتنموي أوسع، يؤثر في مختلف القطاعات داخل العالم العربي، ويعيد تعريف العلاقة بين المعرفة والتنمية في سياق عربي أكثر وعياً بقيمة العقل والإبداع.