الخميس, 05 يونيو, 2025


تحويل المستحيل إلى واقع: مشروع نخلة جميرا في دبي
en
تقرير حصري يونيو, 2025
مشروع نخلة جميرا في دبي

“علمتنا الأيام وعلمناها أن المستحيل وجهة نظر، وأنه لا يوجد حدود للتميز في السباق نحو الريادة… الرؤية الواضحة والعزيمة القوية والرجال المخلصين يستطيعون تحويل الحلم إلى حقيقة”

مقولة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تختزل فلسفة تحويل الطموحات الجريئة إلى واقع. هذه الفلسفة تجسدت بوضوح في مشروع نخلة جميرا بدبي، ذلك المشروع العمراني الضخم الذي حوّل فكرة بدت شبه مستحيلة إلى حقيقة جغرافية واقتصادية واجتماعية على أرض الإمارات.

« من 5 »

تبلورت فكرة نخلة جميرا في أواخر التسعينيات ضمن رؤية أشمل لتطوير دبي وتحويلها إلى مقصد سياحي عالمي ومركز اقتصادي متنوع. فسعت إلى استثمار تنمو عائداته في مشاريع استراتيجية تضمن ازدهاراً مستداماً، وكان الهدف تحويل دبي إلى وجهة سياحية تستقطب الملايين إلا أن شواطئ المدينة آنذاك كانت محدودة للغاية. ويذكر معالي محمد القرقاوي في لقاء إعلامي له أن شواطئ دبي السياحية “لم تكن تتجاوز 40 كيلومتراً” قبل مشروع النخلة، مما عنى أن البنية التحتية الشاطئية غير كافية لطموح زيادة السياح. وبالفعل بلغ عدد زوار دبي في أواخر التسعينيات نحو 5 ملايين سنوياً، وكانت الخطة ترمي لمضاعفة هذا الرقم إلى ثلاثة أضعاف (حوالي 15 مليون سائح)، وهي خطة تصطدم بعائق جغرافي. من هنا ولدت فكرة إنشاء جزيرة اصطناعية ضخمة تزيد من طول سواحل دبي بشكل ملموس وتوفر واجهات بحرية جديدة للفنادق والمنتجعات والمساكن الفاخرة.

رسم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ملامح مشروع غير مسبوق، جزيرة على شكل نخلة تمتد داخل مياه الخليج. وأوكل إلى سلطان بن سليّم وفريقه مهمة تحويل فكرة الجزيرة إلى مخطط قابل للتنفيذ.

ويروي معالي محمد القرقاوي تلك اللحظات الأولى من الفكرة خلال لقاء جمعه بالإعلامي الكويتي عمار تقي، قائلاً: الشيخ محمد، أول مرة رسم النخلة بنفسه على الورقة، وقال هذه الفكرة التي في بالي. لا توجد شواطئ كافية في دبي؟ نبني شواطئ. نحن نريد شواطئ، البحر موجود، إذاً نزيد من مساحة الشواطئ”. ويصف القرقاوي كيف أن الرؤية لم تكن مجرد تصور هندسي، بل اختراق لجغرافيا الواقع عبر خيال يتقدّمه منطق التمكين الاقتصادي، ويضيف: “اليوم عندما نرى المشروع، نقول هذه كانت رؤية، كيف فكر بها؟”، مؤكداً أن الشيخ محمد كان يحمل في ذهنه صورة دبي التي نراها اليوم قبل أن تتشكل على الأرض.

التحديات التقنية والإدارية والبيئية

عندما أٌعلن عن مشروع نخلة جميرا رسمياً في مطلع الألفية، قوبلت الفكرة بتشكيك واسع على الصعيدين الشعبي والهندسي. فالفكرة بدت أقرب إلى الخيال…مدينة بأكملها تُبنى وسط البحر على شكل نخلة، وتساءل كثيرون: كيف يمكن ردم البحر وبناء جزيرة بهذا الحجم وبهذا الشكل غير التقليدي؟ إذ لم يسبق لأحد أن تحدّى البحر بمشروع بهذا التعقيد في المنطقة، حتى بعد بدء العمل، سرت شائعات بأن المشروع غرق تحت المياه، لكنها لم تثنِ عزم القائمين عليه. ويقول معالي القرقاوي عن تلك المرحلة: الشيخ محمد مُصر على المشروع… يرى الصورة التي نراها اليوم، هذا الإصرار والرؤية بعيدة المدى منحت فريق العمل الثقة لتجاوز التحديات. وعن تلك الفترة يقول أيضأً : “كنا أحياناً نخاف… لكنك كنت تعلم أن هناك بطلاً يقف معك اسمه محمد بن راشد، يدعمك”

على الصعيد التقني، استلزمت الجزيرة كميات هائلة من المواد وردم البحر بتقنيات غير معهودة، واختيرت شركات هولندية رائدة في تجريف الأراضي البحرية مثل شركة فان أورد (Van Oord) لتنفيذ عمليات الردم بدقة فائقة. واعتمد أسلوب فريد يقضي باستخدام الرمل والصخور الطبيعية حصراً دون أي هيكل خرسانـي كأساس، حفاظاً على هوية الجزيرة البيئية، وقد بلغ ما تم تجريفه من قاع الخليج قرابة 94 مليون متر مكعب من الرمل، جُلبت من أعماق البحر لضمان كثافة وحجم حبيبات مناسبة. بالإضافة إلى حوالي 5.5  مليون متر مكعب من الصخور استخدمت لبناء حاجز الأمواج الضخم حول الجزيرة، هذا الحاجز الهلالي المسمى الهلال يحيط بجزيرة النخلة ليكسر الأمواج ويحميها من التيارات البحرية. وصل طول الحاجز إلى نحو 11.5 كيلومتر بارتفاع يقارب 3 أمتار، وقد صُمم بعد دراسات أكدت أن مياه الخليج العربي هادئة نسبياً ولا تشهد أعاصير مدمرة لضحالة عمقها (30 متراً فقط) وضيق عرضه (160 كم) بمعنى آخر، البيئة الطبيعية نفسها كانت مواتية لمثل هذا المشروع، حيث يُعتبر احتمال تشكّل أمواج عاتية قليلاً مقارنة بالمحيطات المفتوحة.

رغم ذلك، ظهرت تحديات بيئية خلال التنفيذ، فالحاجز البحري المستمر أدّى في بداياته إلى ركود المياه داخل حوض النخلة بسبب منع حركة المد والجزر الطبيعية وتراكمت مياه الخليج داخل “تاج” النخلة ما أثار مخاوف من تلوثها أو انخفاض جودة المياه البحرية حول الشواطئ الجديدة. استجاب المهندسون لهذا التحدي بتعديل التصميم وفتح فجوات متفرقة في الحاجز الصخري للسماح بتجديد المياه ودوران التيار داخل الخليج حول النخلة، وهذا الحل ساعد على تدارك مشكلة الركود جزئياً، وإن ظلت حركة المياه أقل انسيابية مقارنة بالحالة الأصلية قبل وجود الحاجز.

على المستوى الإداري، كان المشروع اختباراً لقدرة دبي المؤسسية على إدارة مشاريع عملاقة متعددة في آن واحد. فبالتزامن مع نخلة جميرا، كانت هناك مشاريع كبرى أخرى قيد التطوير كميناء جبل علي ومرسى دبي ومدينتي الإنترنت والإعلام. أُنشئت شركة نخيل العقارية كشركة تطوير حكومية لتتولى الإشراف على المشروع وتسويقه، فيما تكفلت شركات مقاولات عالمية بتنفيذ الأعمال الهندسية. ورغم ضخامة التحديات اللوجستية “من استقدام آلاف العمال والمهندسين من شتى بقاع العالم، وتأمين التمويل اللازم، والتنسيق بين عشرات المقاولين” تمكنت دبي من دفع عجلة المشروع بوتيرة سريعة نسبياً، وانطلق العمل في منتصف عام 2001. وبعد خمس سنوات فقط، في 2006، تم تسليم أول الوحدات السكنية على الجزيرة، وهذا الجدول الزمني الطموح تحقق رغم أحداث معاكسة دولية، مثل اضطراب قطاع السياحة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

مع تقدم العمل برزت أيضاً تحديات مالية اضطرت المُطوّر إلى إعادة النظر في بعض جوانب الخطة. فمن ناحية التصميم الحضري، كانت الخطة الأصلية تتوقع إنشاء نحو 4,500 وحدة سكنية فقط على النخلة بين فلل وشقق. لكن تبيّن أن تكلفة الإنشاء أعلى من التقديرات الأولية، فجرى زيادة عدد الوحدات وتقليص المساحات الفاصلة بينها لرفع العائدات، وتم بيع قرابة 2,000 فيلا منذ المرحلة الأولى للتطوير.

المكونات المعمارية والمجتمعية للمشروع

تتألف نخلة جميرا من ثلاثة أقسام رئيسية ترسم هيئتها الفريدة: الجذع والسعفات (أو الفروع) والهلال الخارجي، حيث يمتد الجذع مستقيماً من الساحل كقاعدة عريضة للنخلة، ويربط اليابسة بالجزيرة عبر جسر بري، وعلى طول هذا الجذع قامت منطقة عمرانية متكاملة تضم مبانٍ سكنية شاهقة تحتوي شققاً حديثة، إلى جانب متاجر ومطاعم ومراكز ترفيه تخدم سكان الجزيرة وزوارها. أما السعفات فهي 17 ذراعاً بحرية تخرج من نهاية الجذع على شكل نصف دائرة، مشكلةً الأحياء السكنية الراقية للفلل الشاطئية. وعلى كل سعفة اصطفت عشرات الفلل الخاصة ذات الشواطئ المنفصلة، بحيث يملك كل منزل إطلالة بحرية مباشرة. وهذه الفلل صُممت بأنماط معمارية متنوعة تمزج الطراز العربي التقليدي مع الحداثة، وتتراوح مساحاتها من نحو 4,000 إلى 35,000 قدم مربع بحسب الحجم والفخامة، مما يمنح نخلة جميرا تنوعاً سكنياً يستقطب شرائح عليا من المستثمرين والأثرياء حول العالم.

يحيط بالنخلة من جهة البحر هلال دائري ضخم يمثل حاجزاً للأمواج ومتنزهاً سياحياً في آن واحد. ويبلغ طول هذا الهلال حوالي 11 كيلومتراً. وعلى امتداد الهلال الخارجي، قامت سلسلة من الفنادق والمنتجعات الفاخرة التي أصبحت اليوم من أشهر معالم دبي السياحية، وبات مشهد “نخلة عملاقة مزهرة على سطح الماء” أيقونة بصرية تمثل دبي عالمياً. فهي الصورة التي تلتقطتها الأقمار الصناعية يراها روّاد محطة الفضاء الدولية، قبل أن يراها الزوار بأعينهم. وقد وصفت شبكة CNN  الجزيرة بكونها “رائعة هندسية تزداد جمالاً”.

وبحلول نهاية عام 2009 كان قد افتُتح 28  فندقاً ومنتجعاً على هلال نخلة جميرا، مما حوّل الجزيرة إلى قطب جديد للفخامة والضيافة. ومن أبرز هذه المنشآت منتجع أتلانتس الشهير الذي يتوسط الهلال، والذي افتُتح في سبتمبر 2008 كتحفة معمارية بقبتها الزرقاء المميزة ومرافقه الترفيهية (حديقة ألعاب مائية أكوافنتشر، وحوض أسماك ضخم)، واستقطب الزوار من أنحاء العالم. وبلغت تكلفة إنشاء أتلانتس وحده نحو1.5  مليار دولار أمريكي بالشراكة بين شركة استثمار الحكومية وشركة Kerzner  العالمية، ما يعكس حجم الرهان على جعل نخلة جميرا وجهة سياحية من الطراز الأول. تبع ذلك لاحقاً افتتاح منتجعات أخرى لا تقل فخامة، منها أتلانتس ذا رويال الذي افتُتح عام 2023 بتصميم أيقوني حديث، مضيفاً المزيد من البريق للهلال.

وبالإضافة إلى منتجعات مجموعة أتلانتس، يبرز على الهلال الغربي منتجع جميرا زعبيل سراي التابع لمجموعة جميرا، والذي افتُتح عام 2011 بطراز مستلهم من العمارة العثمانية الفاخرة. وهذا المنتجع المؤلف من 405 غرفة أسس دخول مجموعة جميرا (المملوكة لحكومة دبي) إلى نخلة جميرا. وجدير بالذكر أن مجموعة جميرا هي إحدى ركائز نهضة الضيافة في دبي، إذ تأسست عام 1997 وافتتحت آنذاك فندق جميرا بيتش الشهير كأول فنادقها، ثم بنت صرح برج العرب في 1999 كرمز عالمي للفخامة.

منذ تأسيسها، لم تكن نخلة جميرا مشروعاً عقارياً فحسب، بل منصة لاستقطاب أبرز العلامات الفندقية العالمية والإقليمية، من العلامات المحلية مثل جميرا إلى سلاسل عالمية مثل آند أونلي ووالدورف أستوريا وفيرمونت التي افتتحت فروعاً لها على الجزيرة خلال العقد الماضي.

لم تقتصر المرافق على السكن والفنادق فحسب، فقد حرصت نخيل على تزويد الجزيرة بكل ما يحوّلها إلى مدينة مصغّرة قائمة بذاتها. وافتُتح نخيل مول عام 2019 في جذع النخلة ليكون وجهة تسوّق وترفيه تخدم السكان والزوار على حد سواء. كما أُنشئ ممشى ذا بوردووك على امتداد الجانب الخارجي للهلال ليقدّم للمتنزهين إطلالة ساحرة على أفق دبي من جهة والبحر المفتوح من جهة أخرى. ولتسهيل التنقل، شُيّد مونوريل نخلة جميرا – القطار أحادي السكة- لربط الجزيرة بالبر منذ عام 2009، مما سهّل حركة السكان والزوار من وإلى النخلة. وبذلك تكتمل مرافق البنية التحتية الحديثة التي تجعل نخلة جميرا حياً مترابطاً مع المدينة الأم.

اليوم تضج نخلة جميرا بالحياة، فقد وصل عدد سكانها المقيمين إلى ما يربو على25  ألف نسمة بحلول عام 2022، ينتمون لعشرات الجنسيات، مما خلق مجتمعاً دولياً مصغراً على أطراف دبي. ومع تنوع السكان توفرت الخدمات العامة كالمدارس ودور الحضانة والعيادات الطبية داخل الجزيرة أو على مقربة منها، لتلبية احتياجات العائلات المقيمة.

« من 2 »

الاستثمارات العقارية والسياحية من التأسيس حتى 2025

كانت نخلة جميرا منذ انطلاقتها مشروعاً كثيف الاستثمار، سواء من ناحية كلفة الإنشاء أو تدفق رؤوس الأموال بعدها في التطوير العقاري والسياحي، وبلغت التكلفة التقديرية لإنشاء الجزيرة والبنية التحتية الأساسية حوالي 12  مليار دولار أمريكي تكفلت بها حكومة دبي عبر شركة نخيل. وقد تم اعتماد نموذج بيع العقارات على المخطط لتمويل أجزاء من المشروع، حيث طرحت فلل السعفات للبيع مبكراً وجرى حجز معظمها في زمن قياسي بفضل حماس المستثمرين الإقليميين والدوليين الذي غذته سمعة دبي ومصداقية قيادتها. وبالفعل بحلول 2007 كانت 75% من الوحدات العقارية على النخلة جاهزة للتسليم مع انتقال نحو 500 عائلة للإقامة هناك، ما يعني أن جزءاً كبيراً من الاستثمار العقاري تحول إلى واقع ملموس في وقت قصير نسبياً.

شهدت السوق العقارية في نخلة جميرا دورات صعود وهبوط توازت مع حالة اقتصاد دبي عموماً. فبعد الانتهاء من معظم أعمال البنية التحتية ودخول الفنادق الأولى الخدمة بحلول 2008، وصلت أسعار العقارات في دبي إلى ذروة تاريخية. غير أن الأزمة المالية العالمية 2008-2009 أثرت بشدة على الإمارة، مما أدى إلى تصحيح قاسٍ في أسعار العقارات وأزمة سيولة واجهتها الشركات التطويرية، وكانت نخيل “مطوّرة نخلة جميرا” من بين تلك الشركات التي تعرضت لضغوط مالية، واضطرت لإعادة هيكلة ديونها عام 2010 بدعم حكومي. ورغم أن مشروع نخلة جميرا نفسه أُنجزت مراحله الأساسية ولم يُلغَ، إلا أن مشروعات شقيقة ضمن مخطط “جزر النخيل” (مثل نخلة جبل علي ونخلة ديرة) تم تجميدها أو تباطأت بشكل كبير حينذاك. وفي تلك الفترة انخفضت قيمة العقارات في نخلة جميرا مقارنة بأسعارها وقت الطفرة، وتوقفت مؤقتاً بعض الاستثمارات الجديدة. ولكن الجزيرة احتفظت بجاذبيتها الكامنة بفضل ما أُنجز فيها من مرافق وبنية تحتية عالمية المستوى، فبقيت الفلل والشقق المسلّمة مأهولة إلى حد كبير من قبل مالكيها أو مستثمري التأجير السياحي.

مع تعافي اقتصاد دبي تدريجياً بعد 2011، عاودت أسعار العقارات الارتفاع واستعادت نخلة جميرا مكانتها كإحدى أرقى المناطق السكنية في المدينة. في السنوات اللاحقة، لا سيما مع مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، تسارعت الطفرة العقارية والسياحية مجدداً بدبي، وكانت نخلة جميرا في الصدارة. وأثناء جائحة كوفيد-19 وما بعدها، ازداد توجه الأثرياء عالمياً لاقتناء منازل فسيحة وفاخرة توفر قدراً أكبر من الخصوصية والرفاهية، فوجدوا ضالتهم في فلل النخلة. وتشير التقارير إلى أن عام 2021 شهد صفقات قياسية ضمن فئة المنازل فائقة الفخامة على النخلة، حيث إن أكثر من نصف المنازل التي بيعت بأكثر من 10 ملايين دولار في دبي خلال النصف الأول من ذلك العام كانت في نخلة جميرا وحدها.  وارتفع متوسط سعر الوحدة السكنية ليبلغ نحو 2,100 درهم للقدم المربع (571 دولار) في الربع الثاني من 2021 وهو أعلى معدل منذ أكثر من خمس سنوات آنذاك. وهذا الارتفاع يعكس الطلب العالي والمستمر على عقارات النخلة، مدفوعاً بإقبال الأثرياء من داخل وخارج الدولة على الموقع الذي يجمع بين الموقع البحري والخصوصية والبنية الترفيهية المتكاملة. وفي عام 2022، تم تسجيل أغلى صفقة عقارية سكنية في تاريخ دبي حتى ذلك الحين في نخلة جميرا، حيث بِيعَت فيلا فاخرة بمبلغ 302.5  مليون درهم إماراتي “حوالي 82 مليون دولار”، مما تصدّر عناوين الأخبار العالمية كدليل على المكانة الاستثنائية للجزيرة في سوق العقار. وتوالت بعدها صفقات بمئات الملايين في نخلة جميرا خلال 2023 و2024 مع عودة الانتعاش الاقتصادي وتدفق المستثمرين الدوليين الذين رأوا في عقارات دبي ملاذاً استثمارياً آمناً وعالي العائد. وبحسب التقارير الحديثة في 2025، ما زالت نخلة جميرا من أنشط المناطق في سوق إعادة بيع العقارات بدبي، حيث شهدت عمليات إعادة بيع قوية أسهمت بقوة في إجمالي حجم التداولات العقارية في الإمارة، وتظهر بيانات دائرة الأراضي بدبي استمرار تسجيل آلاف المعاملات على عقارات النخلة سنوياً مع دخول مزيد من المشاريع الفندقية والسكنية في التشغيل، ما يدفع بالقيمة الاستثمارية قدماً، والجدير بالذكر أيضاً أن عوائد الإيجار في نخلة جميرا تُعد من الأعلى في دبي نظراً لجاذبية الموقع للمستأجرين الباحثين عن تجربة سكنية شاطئية فاخرة، إذ وصلت إيجارات الشقق من غرفة واحدة إلى حوالي 175 ألف درهم سنوياً في 2025، ما يُبرز قدرة المستثمرين على تحقيق دخل مجزٍ إلى جانب نمو قيمة الأصل العقاري نفسه. وإذا أردنا قراءة الأثر بلغة الأرقام الحديثة، لا تزال نخلة الجميرا حتى اليوم واحدة من أكثر المناطق جذباً للاستثمار العقاري في دبي. فمنذ افتتاحها وهي تتصدر قوائم المبيعات العقارية الفاخرة عاماً بعد عام. وفي عام 2024 تحديداً، سجلت الجزيرة أرقاماً قياسية جديدة في التداولات العقارية، إذ بلغت قيمة المبيعات الإجمالية حوالي 19  مليار درهم عبر 1529 صفقة خلال العام الواحد، وهذا الرقم الضخم يمثل نحو 3.6% من إجمالي مبيعات العقار في إمارة دبي لذلك العام.

في القطاع السياحي، حققت نخلة جميرا الهدف المرسوم لها كمحرك لنمو السياحة في دبي، فمنذ افتتاح أتلانتس 2008 حتى اليوم، استقبلت الجزيرة ملايين الزوار الذين أقاموا في منتجعاتها أو زاروها في رحلات يومية. لقد أضافت نخلة جميرا وحدها عشرات الفنادق الفاخرة وما يزيد عن 4,000 غرفة وجناح فندقي إلى طاقة دبي الاستيعابية، مساهمةً في رفع قدرة الإمارة على استضافة أعداد متزايدة من السياح سنوياً. ومع تنوع عوامل الجذب “من الشواطئ الرملية الممتدة، إلى المنتزهات المائية، والمطاعم الراقية، ومراكز التسوق” باتت نخلة جميرا وجهة بحد ذاتها على برامج السياح، يزورونها كمعلم لا بد من تجربته. هذا بدوره عزز إنفاق الزوار ورفع من مساهمة السياحة في الناتج المحلي لإمارة دبي.

تحليل مستقبلي وحيوية المشروع

بعد مرور ما يزيد على عقدين منذ انطلاق فكرة نخلة جميرا، يقف المشروع اليوم كدليل حي على قدرة التخطيط الطويل الأمد والرؤية الجريئة على إحداث تحول عميق في الواقع العمراني والاقتصادي. لقد أصبحت الجزيرة رمزاً لهوية دبي الحديثة، المدينة التي لا تتوانى عن صنع المعجزات الهندسية لتعزيز مكانتها العالمية. ورغم أن لغة الإطراء قد بالغت أحياناً في وصف دبي بأنها “تخلق المستحيل”، فإن المنجز على أرض النخلة يقدم برهاناً ملموساً بعيداً عن المبالغة… شواطئ دبي زادت فعلياً مئات الكيلومترات، وقطاعها السياحي قفز قفزات نوعية، واستثماراتها العقارية درّت عوائد ضخمة على مدار السنوات.

مع ذلك، فإن الحفاظ على حيوية نخلة جميرا مستقبلاً يستدعي مواصلة الاهتمام والإدارة الحكيمة، فعلى الصعيد البيئي، ينبغي مراقبة حالة الشواطئ وجودة المياه بشكل دائم لضمان استدامتها للأجيال القادمة، خاصة مع التغيرات المناخية المحتملة وارتفاع مستوى سطح البحر عالمياً. وقد تحتاج الجزيرة إلى أعمال صيانة دورية لتعويض أي انجراف للرمال أو تأكل للصخور بفعل الزمن والعوامل الطبيعية “وهي تحديات مألوفة في مشاريع الجزر الاصطناعية”. ومن جهة أخرى، تتطلب البنية التحتية القائمة تحديثاً مستمراً لمواكبة نمو عدد السكان والزوار، فمثلاً توسيع شبكة المونوريل أو ربطها بشكل أكثر فعالية بمترو دبي سيعزز من سهولة الوصول ويخفف الازدحام في السنوات القادمة.

اقتصاديًاً تبدو الآفاق إيجابية، فما دام الطلب العالمي والإقليمي على العقارات الفاخرة في دبي قوياً، ستبقى نخلة جميرا نقطة جذب للاستثمارات العقارية والسياحية. وربما تشهد الجزيرة تطوير مشاريع جديدة على ما تبقى من قطع شاغرة أو إعادة تطوير بعض المواقع الأقل استخداماً لتحقيق أقصى استفادة. كذلك فإن نجاح نخلة جميرا شجّع دبي مؤخراً على إحياء مشاريع الجزر الأخرى التي كانت مؤجلة، فقد أُعلن في 2023 عن إعادة إطلاق مشروع نخلة جبل علي، وهي جزيرة أكبر حجماً كانت قد جُمّدت منذ أزمة 2009. هذا التطور يدل على الثقة باستمرار نموذج “المدينة داخل البحر” كخيار تنموي يجذب المستثمرين والسكان.

اجتماعياً، رسّخت نخلة جميرا صورة دبي كبيئة عالمية تستقطب مختلف الثقافات تحت مظلة الرفاهية. فالجزيرة بما تضمه من مجتمع متنوع ونمط حياة راقٍ تمثل عامل جذب للأثرياء ولشخصيات بارزة “بعضهم من مشاهير الفن والرياضة والأعمال”، ممن اختاروا الإقامة أو التملك فيها. إضافة إلى ذلك، فهي متاحة للزيارة للجميع، وليست حبيسة أسوار مغلقة أو حكراً على ملاكها وساكنيها، إذ يتردد على نخلة جميرا الجمهور لقضاء أوقات ممتعة على شواطئها ومطاعمها. وبهذا المعنى تحولت النخلة من مشروع نخبة إلى مساحة حية تساهم في رفاه المجتمع ككل عبر ما توفره من متنفس ترفيهي وفرص عمل وخدمات جديدة.

في المحصلة، يمكن القول إن مشروع نخلة جميرا مثّل نقطة تحول في تاريخ دبي الحديث، ومختبراً لقدرتها على الابتكار والصمود أمام التحديات. ولد المشروع كحلم جريء تحت شعار “لا شيء مستحيل”، وأثبت بواقعيته أن المستحيل قد يكون فعلاً مجرد وجهة نظر. فعندما تتوفر الرؤية الاستراتيجية والتمويل المدروس والإرادة السياسية والشعبية، تغدو المشاريع العملاقة قابلة للتحقيق على أرض الواقع.

وبينما تواصل نخلة جميرا تأدية دورها كمحرك للعقار والسياحة حتى عام 2025 وما بعده، فإن قصتها ستبقى مصدر إلهام لعشاق العمارة والتنمية حول العالم، ودليلاً حياً على ما يمكن أن ينجزه مزيج الإصرار والإبداع

دبي وعبر هذه الجزيرة الاصطناعية الفريدة، قدمت نموذجاً عن مدينة عربية استطاعت أن توسّع حدود جغرافيتها وترسم ملامح مستقبلها بيديها. وما نخلة جميرا سوى بداية لفصل جديد من مشاريع “المستحيل” التي قد تصبح ممكنة في مستقبل دبي الطموح.