
تشهد صناعة الطيران في الشرق الأوسط نقلة نوعية يقودها عملاقان إماراتيان: طيران الإمارات وفلاي دبي. فقد تمكّن هذان الناقلان من ترسيخ مكانتهما كروّاد في السوق الإقليمي، وتحولا إلى رموز للابتكار والنمو والتكامل. ويعكس تحالفهما الاستراتيجي نموذجاً متقدماً في الكفاءة، وجودة الخدمة، والربط الشبكي، في واحدة من أكثر أسواق الطيران تنافسية في العالم.
اليوم، تستحوذ طيران الإمارات وفلاي دبي معاً على ما يقرب من ربع الطاقة الاستيعابية لمقاعد السفر في المنطقة، بأكثر من 50 مليون مقعد مغادر سنوياً. ويعكس هذا التقدّم اللافت حجم عملياتهما المتنامي، والتزامهما بتقديم تجارب سفر متميزة، مع توسيع حضورهما العالمي بشكل مستمر.
الأداء والربحية والامتداد العالمي
ما تزال طيران الإمارات واحدة من القوى الكبرى في عالم الطيران، حيث تحتفظ بموقع متقدم بين أكبر شركات الطيران عالمياً من حيث عدد الكيلومترات المتاحة للمقاعد والسعة الإجمالية. وفي عام 2023، سجّلت الشركة أرباحاً قوية لكل راكب، ما يؤكد تميزها التشغيلي وقدرتها على التكيّف المالي رغم تقلبات السوق.
ويمثل شبكها الواسع من الرحلات الطويلة غير المباشرة أحد أبرز نقاط قوتها، إذ تشمل بعضاً من أطول الرحلات المباشرة في العالم، وهو ما يعكس قوة أسطولها وحرصها على توفير رحلات مترابطة بسلاسة عبر القارات.
أما فلاي دبي، فقد شهدت نمواً ملحوظاً بعد الجائحة، إذ زادت قدرتها التشغيلية بأكثر من 50% مقارنة بعام 2019، بفضل توسّع شبكتها وزيادة جاذبيتها للمسافرين العابرين. كما ارتفعت نسبة ركاب الترانزيت الذين يستخدمون دبي كمركز عبور على متن رحلاتها، ما يدل على نجاح تكاملها مع طيران الإمارات.
تركز فلاي دبي أيضاً على أسواق استراتيجية ذات طلب مرتفع، خصوصاً في جنوب آسيا، حيث تمثل الرحلات إلى شبه القارة الهندية جزءاً كبيراً من سعتها التشغيلية. ويخدم هذا التوجّه احتياجات المسافرين من العمالة الوافدة، ما يضمن نسب إشغال عالية على مدار العام.
قوة الشراكة
تتجاوز العلاقة بين طيران الإمارات وفلاي دبي المفهوم التقليدي لاتفاقيات المشاركة بالرمز، فهي شراكة متكاملة تجمع بين مزايا الخدمات الكاملة والكفاءة التشغيلية للنموذج منخفض التكلفة. وتشمل هذه الشراكة تنسيق الجداول، وتكامل مراكز العبور، وتوحيد برامج الولاء، إضافة إلى التعاون في الموارد التشغيلية.
وتنعكس هذه الشراكة إيجاباً على تجربة المسافرين، من خلال تقديم خيارات أوسع، وربط أكثر سلاسة، وجودة خدمة موحدة بين الناقلتين. وفي الوقت ذاته، تعزز الكفاءة التشغيلية وتساهم في الاستخدام الأمثل للموارد وتوسيع الشبكات بفعالية.
ويُعزّز موقع دبي الجغرافي المتميز وبنيتها التحتية المتطورة من قوة هذا التحالف، حيث أصبحت المدينة مركزاً عالمياً للحركة الجوية، ويستخدم عدد كبير من ركاب طيران الإمارات دبي كنقطة عبور، ما يؤكد على دورها المحوري في حركة الطيران الدولية.
نحو المستقبل: مشروع مطار دبي وورلد سنترال
تستعد طيران الإمارات وفلاي دبي للمرحلة التالية من التوسع عبر الانتقال المستقبلي إلى مطار دبي وورلد سنترال (DWC)، الذي من المتوقع أن تصل طاقته الاستيعابية إلى 260 مليون مسافر سنوياً، ليصبح بذلك أكبر مطار في العالم من حيث القدرة التشغيلية.
ويتماشى هذا الانتقال مع رؤية دبي بعيدة المدى لاستيعاب النمو المتزايد في الطلب على السفر، ودعم قطاعات السياحة والتجارة، وترسيخ مكانتها كمركز عالمي للطيران. وسيمكّن المطار الجديد الشركتين من تشغيل رحلات أكثر كفاءة، وفتح خطوط جديدة، والتعامل مع أعداد أكبر من الركاب بفضل التكنولوجيا المتقدمة والمنشآت الحديثة.
صعود مستمر في سماء الشرق الأوسط
تشهد صناعة الطيران في الشرق الأوسط انتعاشاً واضحاً، حيث تُعد المنطقة من بين الأسرع تعافياً في العالم بعد الجائحة، بفضل توسّع وتكيّف شركات الطيران في الإمارات والسعودية وقطر. وبينما شهدت بعض دول الخليج نمواً بطيئاً، واصلت دبي تعزيز مكانتها كمركز رئيسي في حركة الطيران.
وقد ارتفعت السعة الدولية في المنطقة بشكل ملحوظ، ما يعكس قوة الطلب على السفر والتجارة والسياحة. ويُشكّل التعاون بين طيران الإمارات وفلاي دبي، إلى جانب مشاريع البنية التحتية مثل DWC، المحرّك الأساسي لهذا النمو.
يشكل التحالف بين طيران الإمارات وفلاي دبي نموذجاً جريئاً ومتقدماً لمستقبل صناعة الطيران. من خلال الجمع بين الحجم والمرونة، والرفاهية والكفاءة، والانتشار العالمي والخبرة الإقليمية، لا يواكب هذا التحالف تطورات القطاع فحسب، بل يضع معاييره الجديدة.
ومع استعداد الناقلتين للانطلاق من أكثر مطارات العالم طموحاً، فإنهما تكتبان فصلاً جديداً في تاريخ الطيران بالشرق الأوسط، ويقدمان للمسافرين مستقبلاً يتميّز بالخيار، والراحة، والترابط العالمي.