
شهدت دبي تحوّلاً رقمياً استثنائياً خلال العقدين الماضيين. ففي بدايات الألفية، افتتحت أول مركز بيانات في الشرق الأوسط، في خطوة جريئة شكّلت بداية لمسيرة تقنية غير مسبوقة. اليوم، أصبحت الإمارة مركزاً حيوياً للبنية التحتية الرقمية في المنطقة، وهو إنجاز تحقق بفضل رؤية استراتيجية واضحة، وتخطيط محكم، وقيادة استثنائية تمثّلت في صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ومعالي محمد القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء.
إطلاق مدينة دبي للإنترنت كان أولى الخطوات في هذا الطريق. وبينما كانت العديد من دول المنطقة تتردّد في دخول العالم الرقمي، اتخذت دبي قراراً حاسماً، فتعاونت مع شركة “آي بي إم” لإنشاء أول مركز بيانات إقليمي. هذا القرار لم يكن مجرد تطوير تقني، بل كان بداية لبنية تحتية رقمية شاملة، اجتذبت كبريات شركات التكنولوجيا العالمية، ورسّخت مكانة دبي كوجهة رقمية عالمية.
اليوم، لم تعد مراكز البيانات في دبي مجرّد مرافق استضافة، بل أصبحت أدوات رئيسية في دعم الاقتصاد، وتوفير بنية رقمية تمكّن الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وتطبيقات المدن الذكية. وقد أكد مسؤولون تنفيذيون من شركات تقنية عالمية أن الإمارة باتت الوجهة المفضلة لمراكز البيانات، لما تتمتع به من مزايا تنافسية عديدة.
أوضح ناريش سينغ، المدير الأول والمحلل في شركة “جارتنر”، أن توفّر الكفاءات، والبيئة الجاذبة للأعمال، والتواجد الكثيف للشركات العالمية، كلها عوامل ساهمت في ترسيخ مكانة دبي كمركز بيانات رئيسي في المنطقة. وأضاف أن الإمارة تحتضن عدداً من أكبر مزودي الحوسبة السحابية في العالم، الذين اتخذوا من دبي مقراً إقليمياً لهم.
وتوقّع سينغ أن تواصل دبي ريادتها في هذا المجال، نظراً للبنية التحتية المتطورة، وسهولة الوصول العالمي، وخدمات الاتصالات الموثوقة، التي تجعلها الخيار الأمثل للشركات الدولية الراغبة في التوسع بالمنطقة.
من جهته، قال وليد يحيى، المدير العام لشركة “دِل تكنولوجيز” في الخليج، إن دولة الإمارات، وبالأخص دبي، برزت خلال السنوات الماضية كمركز عالمي للتحول الرقمي، مدفوعة برؤية طموحة لتطوير مراكز بيانات تواكب متطلبات الابتكار والاستدامة والنمو الاقتصادي. وأضاف أن هذه المراكز تحوّلت من كونها أصولاً تقنية إلى دعائم استراتيجية تدفع الاقتصاد الذكي المستدام.
وأشار إلى أن مراكز البيانات الحديثة تمكّن المؤسسات من الابتكار وتحسين الكفاءة التشغيلية، وخلق مصادر جديدة للإيرادات، ما يجعلها محركاً حقيقياً للاقتصاد الرقمي.
أما الدكتور ريمون خوري، الشريك المؤسس في “آرثر دي ليتل” بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد وصف قرار إنشاء أول مركز بيانات في دبي بأنه قرار ثوري. وأشاد بالشراكة المبكرة مع “آي بي إم”، مؤكداً أنها أسّست لنظام بيئي رقمي متكامل. وأشار إلى أن الرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والتنفيذ الاستراتيجي لمعالي محمد القرقاوي، شكّلا نموذجاً قيادياً فريداً يواكب التطورات التكنولوجية العالمية.
وأكّد خوري أن دبي لم تكتفِ ببناء البنية التحتية، بل أطلقت أول خدمات الاستضافة الإلكترونية في الشرق الأوسط، مما منح الشركات الأدوات اللازمة لتعزيز كفاءتها، وأطلق عصراً جديداً من التقدّم الرقمي. وأوضح أن هذا النهج الاستباقي في تبنّي التكنولوجيا جعل من دبي نموذجاً عالمياً يحتذى به.
من جانبه، قال مروان زين الدين، المدير التنفيذي لشركة “إس إيه بي” في الإمارات، إن دبي تبرز بسرعة كمركز للبنية التحتية الرقمية المتطورة، بفضل سياسات قيادتها الحكيمة، والتشريعات الداعمة للأعمال، والموقع الجغرافي الاستراتيجي. وأكد أن المدينة قادرة على اجتذاب أفضل الكفاءات التقنية العالمية، ما يعزز موقعها الريادي في عصر الذكاء الاصطناعي.
أما جاد حداد، رئيس وحدة الذكاء الاصطناعي في شركة “أوليفر وايمان”، فأشار إلى أن دبي ساهمت في رسم ملامح العصر الرقمي في المنطقة، منذ خطوتها الجريئة في 2001 بإطلاق مركز بياناتها الأول. وقال إن هذا التوجّه ساعد الشركات على تقليل اعتمادها على الخوادم الخارجية، وساهم في تسريع التحوّل الرقمي في قطاعات حيوية مثل التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية والإعلام.
وأضاف حداد أن ما يميز دبي هو تقاطع مجموعة من العوامل الفريدة، مثل الموقع الجغرافي، الاتصال البحري عالي السرعة، وتوفر طاقة موثوقة وبتكلفة تنافسية، إلى جانب بيئة أعمال نشطة ومتنوعة. وأكد أن مراكز البيانات أصبحت اليوم دعائم أساسية للنمو الاقتصادي، بفضل قدرتها على تمكين استراتيجيات بيانات متقدمة ودعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وتُظهر أحدث الدراسات أن الإمارات تمتلك حالياً أكبر عدد من مراكز البيانات في المنطقة، بعدد 35 مركزاً قائماً، منها 18 في دبي. وهناك 11 مركزاً إضافياً قيد الإنشاء بتكلفة تقارب 3 مليارات دولار، يُتوقع اكتمالها بحلول عام 2026، بالإضافة إلى 6 مراكز في مراحل التخطيط بقيمة 41 مليار دولار.
كل ذلك يعكس التزام دبي ببناء اقتصاد رقمي ذكي ومستدام. فبقيادتها الرشيدة، وبنية تحتية رقمية عالمية، ورؤية جريئة، أصبحت الإمارة ليست فقط مركزاً إقليمياً، بل نموذجاً عالمياً في كيفية تحويل البنية الرقمية إلى محرك للنمو والتقدم.