الأحد, 03 أغسطس, 2025


مشروع “مشدّ دبي” يرسم مستقبلاً مستداماً للحياة البحرية
en
يوليو, 2025
مشدّ دبي

تحت سطح مياه دبي الفيروزية، تتشكّل ملامح مشهد بيئي جديد واستثنائي. وحدات شعاب مرجانية مصممة بدقة باتت تشكّل الأساس لنظام بيئي متجدد، حيث تسبح الأسماك بألوانها الزاهية بين الهياكل الجديدة، وتبدأ النباتات البحرية في الانتشار، في مشهد يعكس رؤية دبي الواضحة لمستقبل بيئي مزدهر.

هذا هو جوهر مشروع “مشدّ دبي”، المبادرة الطموحة التي أُطلقت عام 2024 كجزء من استراتيجية دبي الشاملة للاستدامة. يُعد المشروع من أكبر المبادرات من نوعها عالمياً، ويهدف إلى تعزيز التنوع البيولوجي البحري عبر إعادة تشكيل بيئة بحرية صحية وداعمة للحياة.

التسجيلات المصوّرة التي تم التقاطها مؤخراً من موقع المشروع الأولي أظهرت مشاهد مبهرة، حيث تتنقل مجموعات متنوعة من الأسماك بين وحدات الشعاب، مما يعكس سرعة اندماج هذه الهياكل في النظام البيئي الطبيعي. وقد أشار المتخصصون إلى رصد 15 نوعاً من الأسماك المحلية – مثل النهاش، والهامور، والعقام – تنشط بشكل ملحوظ حول هذه الشعاب، مع مؤشرات أولية على ارتفاع محتمل في التنوع البيولوجي بنسبة تصل إلى 10%، إلى جانب زيادة كتلة الأسماك الحيوية بما يقارب ثمانية أضعاف في المناطق المحيطة.

الهدف الأكبر للمشروع يتمثل في نشر 20,000 وحدة شعاب مرجانية ضمن مساحة بحرية تبلغ 600 كيلومتر مربع بحلول عام 2027. حتى منتصف عام 2025، تم إنجاز نحو 40% من هذا الهدف، مع تثبيت أكثر من 3,600 وحدة فعلياً في قاع البحر. وقد صُممت هذه الوحدات لتوفير بيئات بحرية آمنة ومحفزة للنمو والتكاثر، بما يشبه الشعاب المرجانية الطبيعية من حيث التعقيد والتنوع البنيوي.

يرتكز “مشدّ دبي” على ثلاث ركائز رئيسية: ترميم المواطن البحرية، دعم الحياة البحرية، وتطوير البحث العلمي البيئي. هذا التوازن بين العمل البيئي الفعلي والدراسة المستمرة يجعل المشروع نموذجاً متكاملاً للتنمية المستدامة بعيدة المدى.

أما من حيث التنفيذ، فيتميّز المشروع بتعاون فعّال بين القطاعين الحكومي والخاص، حيث تجتمع الجهات المختصة، والباحثون، والشركات، في شراكة استراتيجية تهدف إلى تحقيق نتائج ملموسة ومستدامة. ويُعد هذا النوع من التعاون عاملاً أساسياً في نجاح المبادرة، ويعكس قدرة دبي الفريدة على تحويل الرؤى إلى إنجازات حقيقية على الأرض – أو في هذه الحالة، تحت الماء.

ومع نمو النظام البيئي البحري وازدهاره، تبدأ الآثار الإيجابية بالظهور في مجالات أوسع، مثل السياحة البيئية، والبحوث البحرية، ودعم الاقتصاد الأزرق. فالمشروع لا يهدف فقط إلى حماية البيئة البحرية، بل يسعى أيضاً إلى تحويلها إلى مصدر دائم للمعرفة والفرص والنمو.

مشروع “مشدّ دبي” ليس مجرد مبادرة بيئية؛ بل هو رسالة واضحة مفادها أن المدن الحديثة تستطيع أن تتطوّر وتتوسّع دون أن تتخلى عن مسؤوليتها تجاه البيئة. من خلال الرؤية والطموح والتعاون، يمكن تحقيق التوازن بين التنمية المستدامة وحماية الطبيعة.

ومع استمرار تثبيت الوحدات ونمو الحياة البحرية من حولها، تتحوّل مياه دبي تدريجياً إلى نموذج حي للاستدامة البيئية. إنها بداية مرحلة جديدة، تثبت أن الأفكار الجريئة المدعومة بالعمل يمكن أن تُحدث فرقاً حقيقياً وملموساً – تحت الماء كما على اليابسة.