
في عالمٍ كثيراً ما يُملي فيه التخصص الأكاديمي المسار المهني، اختارت عائشة المنصوري طريقاً مختلفاً قادها إلى قلب التاريخ. فرغم دراستها للعلاقات الدولية، وجدت نفسها تعمل اليوم كأمينة متحف معاونة ضمن الفريق البحثي لمتحف زايد الوطني، وتصف هذه الفرصة بأنها “حلم تحقق”.
وكانت نقطة التحول الكبرى في رحلتها عام 2023، عندما تم اختيارها ضمن خمس نساء فقط للإبحار على متن قارب “ماجان”، وهو إعادة بناء دقيقة لقارب من العصر البرونزي، تم تنفيذه باستخدام مواد وتقنيات تعود إلى أكثر من 4000 عام. المشروع جمع أكثر من 20 خبيراً من خمس دول مختلفة، من بينهم علماء آثار، وأمناء متاحف، وأساتذة، وطلاب، وصناع قوارب تقليدية
فخر بالهوية والمسؤولية الوطنية
ووصفت عائشة المنصوري، نفسها بالمحظوظة، كونها جزءاً من متحف وطني يجسد رؤية وقيم الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه
وتقول: “متحف زايد ليس مجرد صرح ثقافي، بل منصة حية تسرد تاريخ دولة الإمارات عبر 300 ألف عام. كوني جزءاً من هذا المشروع يجعلني أشعر بأني أساهم في إيصال قصة وطني بطريقة ملهمة وتفاعلية، خاصة ونحن على مشارف الافتتاح في ديسمبر القادم”.
وتضيف: “عملي يشمل تطوير السرد المتحفي، وجمع الروايات الشفهية من المجتمعات المحلية، والتأكد من تمثيل أصوات الناس داخل المتحف، إضافة إلى دعم البرامج التعليمية والبحثية، مثل مشروع قارب ماجان الذي أعتبره من أبرز المحطات في مسيرتي”.
من الوثائقيات إلى الواقع
منذ طفولتها، كانت عائشة مولعة بالأفلام الوثائقية المتعلقة بالتاريخ وعلم الآثار، ورغم أن دراستها لم تأخذها مباشرة إلى هذا المجال، إلا أن شغفها ظل حاضراً، حتى تحقق من خلال مشاركتها في مشروع “ماجان”.
تقول: “لم أكن أمتلك أي خبرة في الإبحار، وكانت التجربة جديدة تماماً بالنسبة لي. لكن الفريق قدم لي دعماً كبيراً، خاصة أستاذي إيريك ستيبلس. تعلمت الكثير، ليس فقط عن البحر، بل عن التاريخ، الحِرف، والتقنيات القديمة”.
ورغم تخلّيها عن فرصة تدريب في مؤسسة أخرى لأجل المشروع، لم تندم لحظة. بل ترى أن تلك التجربة كانت نقطة تحول حقيقية في حياتها. “في أول يوم شعرت بخوف شديد من السقوط في الماء، لكن في اليوم التالي تغلبت على مخاوفي، وبدأت أتحرك بحرية على سطح السفينة”.
لحظة لا تُنسى
من أكثر اللحظات التي بقيت محفورة في ذاكرتها، هي لحظة رسو السفينة في رحلتها الأخيرة. “كان الجميع صامتاً، نشعر أننا نودّع تجربة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر. كنت من المحظوظين الذين عاشوا هذه اللحظة”.
بين العلاقات الدولية والثقافة
رغم أن مسارها المهني أخذها إلى المتاحف، ترى عائشة أن دراستها للعلاقات الدولية كانت عاملاً مساعداً، حيث منحتها أدوات لفهم أعمق للعلاقات الثقافية بين الإمارات والعالم. هذا ساعدها على تطوير سرديات متحفية تتحدث بلغة يفهمها الجميع، سواء من المواطنين أو الزوار الأجانب.
تختم بقولها: “أردت أن يكون المتحف مساحة يشعر فيها الزائر، مهما كانت خلفيته، بقربه من تاريخ الإمارات. وأشعر بالفخر أن أكون جزءاً من هذا العمل العظيم”.
حارسة التراث الجديد
مع اقتراب افتتاح متحف زايد الوطني، تمثل عائشة المنصوري جيل الشباب الواعي، الذي يربط الماضي بالحاضر، ويساهم في نقل إرث الوطن إلى الأجيال القادمة. رحلتها على متن قارب “ماجان” لم تكن مجرد تجربة، بل كانت بداية لمسار طويل في خدمة التاريخ والثقافة.