السبت, 18 أكتوبر, 2025


مربعة أم الريول.. حارسة صامتة تُجسّد تراث دبي وبراعتها الدفاعية
en
14 أكتوبر 2025
مربعة أم الريول

بين أزقة الشندغة العتيقة ومياه خور دبي الهادئة، تقف مربعة أم الريول صامدة، تروي بصمت قصة من قصص دبي التي تجمع بين الحكمة المعمارية والدور الدفاعي. هذه البناية ذات الطابع المربع والغرفة العلوية المدعومة بأربعة أعمدة ضخمة، ليست مجرد أثر حجري، بل مرآة حقيقية لتاريخ المدينة وحرص الأجداد على حمايتها.

تعود المربعة إلى عام 1939، حين بُنيت في منطقة بر ديرة، غرب المبنى الرئيسي للبلدية، لتؤدي عدة مهام حيوية: من مراقبة المدينة، وتفتيش المركبات، وتخزين الأسلحة، إلى تنبيه السكان عند وقوع حوادث طارئة كالأوبئة والحرائق، أو حتى للإعلان عن عودة الحاكم من الحج أو العمرة.

وقد تم اختيار هذا المعلم مؤخراً من قبل سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي ورئيس المجلس التنفيذي، ضمن مبادرة حماية المباني والمواقع التراثية الحديثة في الإمارة، بهدف الحفاظ على الهوية المعمارية والثقافية التي تُشكّل ذاكرة دبي الحية.

من حيث التصميم، تعكس المربعة مزيجاً من البساطة والدقة الدفاعية. ترتفع أعمدتها الأربعة نحو 4 أمتار، وتدعم غرفة مربعة الشكل في الأعلى، يبلغ ارتفاع المبنى الإجمالي نحو 9 أمتار، ما يمنحه حضوراً بارزاً في أفق الشندغة. تبلغ المسافة بين الأعمدة حوالي 15 متراً، مما يمنح المبنى توازناً هيكلياً قوياً.

كانت الغرفة العلوية تُستخدم للمراقبة الشاملة من جميع الاتجاهات، ولا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق حبل يتدلى من الأعلى، ما كان يفرض بقاء حارس دائم بداخلها. وكان الحارس يحصل على احتياجاته اليومية باستخدام سلة من الخوص (جفير) تُسحب بالحبل من الأسفل إلى الأعلى.

المربعة لم تكن فقط برج مراقبة، بل جزء رئيسي من شبكة الدفاع التقليدية للمدينة، تُستخدم لمتابعة أي تحركات مشبوهة، وتخزين المؤن، وإدارة دخول وخروج الأسلحة. كما أدّت دوراً اجتماعياً في نقل الأخبار العاجلة والتواصل مع الأهالي خلال الطوارئ.

إلى جانب أهميتها الدفاعية، تتميز مربعة أم الريول بعناصر معمارية تقليدية جميلة، مثل الزخارف الخشبية والجبسية، والمزاعل (الفتحات الضيقة للمراقبة)، ما يجعلها نموذجاً يجمع بين الجمال والوظيفة.

حتى في أوقات الحروب، صُممت أرضية المربعة بفتحات لإطلاق النار على من يحاول التسلل أو الاحتماء أسفلها، كما كانت تحتوي على مداخل سفلية خاصة بالحراس. أما تسلق جدرانها فكان أمراً بالغ الصعوبة.

اليوم، وبينما تواصل دبي تطورها الحديث، تظل مربعة أم الريول قائمة كرمز صامت يُجسّد الهوية، والحكمة، والصمود.. جزء لا يتجزأ من تاريخ الإمارة وروحها المتأصلة.