
يمثل عام 2071 في دولة الإمارات أهمية خاصة؛ إذ يصادف مرور 100 عام على قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، ويشكل هدفاً تسعى إليه خطط تنموية طموحة ضمن مئوية الإمارات 2071. تُعد (منطقة 2071) مبادرة جريئة أُنشئت كمنصة مادية وفكرية لدفع الدولة نحو تحقيق تلك الرؤية المئوية. وقد أطلقها في دبي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 2017، وصُممت (منطقة 2071) لتكون مركزاً يلتقي فيه المبتكرون والجهات الحكومية والشركاء العالميون من أجل تصور المستقبل وبنائه. ويقع مقرها في أبراج الإمارات بدبي، في موقع يحمل دلالة رمزية كونه في قلب منطقة تركز على المستقبل في دبي. وبحسب تعبير الشيخ محمد بن راشد: “تجسّد منطقة 2071 طموح دولة الإمارات في أن تكون لاعباً رئيسياً في بناء المستقبل.” إنها مختبر مفتوح للتعلم وتطوير الأفكار والتجارب وتصميم المستقبل، فضلاً عن صياغة مستقبل أفضل للبشرية. وتعكس هذه الرؤية سعي دولة الإمارات لأن تصبح واحدةً من أكثر دول العالم تقدماً بحلول عام 2071، مرتكزةً على الابتكار كمحرك أساسي.
الرؤية والدور في منظومة الابتكار
تمثل (منطقة 2071) تجسيداً مادياً لمساعي دولة الإمارات في مجال الابتكار، وتهدف إلى جعل دبي مدينة رائدة عالمياً في طرح الأفكار التحويلية ذات التأثير الإيجابي حول العالم. وتعمل بمثابة منظومة تشاركية تجمع بين الشركات الناشئة والشركات الراسخة والجهات الحكومية وأفراد المجتمع ككل. وعلى عكس تجمعات التكنولوجيا التي نشأت بصورة طبيعية مثل وادي السيليكون وتطورت على مدار عقود، فإن (منطقة 2071) عبارة عن بيئة ابتكار مُصممة بشكل متعمد لتتوافق مع الاستراتيجية الوطنية. ويستضيف هذا الفضاء رواد الأعمال المقيمين، والشركاء من الجهات الحكومية والشركات المضيفين، والجمهور الضيوف في بيئة مرنة تهدف إلى تشجيع التعاون العفوي. عملياً، يعني ذلك أن مؤسس شركة ناشئة في (منطقة 2071) قد يجد نفسه يعمل جنباً إلى جنب مع فريق من إحدى الوزارات الحكومية أو شركة تقنية متعددة الجنسيات لحل تحدٍ مشترك. وهذا النموذج التعاوني يمكن مقارنته بمراكز ابتكار عالمية أخرى مثل (ستيشن إف) في باريس، الذي يحتضن الشركات الناشئة جنباً إلى جنب مع برامج للشركات الكبرى والقطاع العام في حرم واحد. إن التصميم المتعمد لمنطقة 2071 كبوتقة تنصهر فيها المواهب المتنوعة يعكس توجهاً أوسع نطاقاً: فمن سنغافورة إلى شينزين، تظهر مراكز ابتكار جديدة بنماذج مميزة تتجاوز مجرد استنساخ وادي السيليكون. وتتمثل مقاربة دولة الإمارات في بناء منظومة ابتكار محلية مفصلة وفق مواطن قوتها، معتمدةً على الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وعلى ثقافة تستشرف المستقبل، وعلى دعم حكومي كبير، بهدف وضع دبي في موقع الريادة عالمياً في مجال الابتكار.
الابتكار في السياسات والمبادرات الحكومية
إن إحدى السمات المميزة لـ(منطقة 2071) هي تكاملها الوثيق مع استراتيجية الحكومة والابتكار في السياسات. وُلدت هذه المبادرة من إدراك حكومة الإمارات أن الحوكمة المستقبلية والابتكار يجب أن يسيرا جنباً إلى جنب. والواقع أن اسم (منطقة 2071) نفسه مستمد من (رؤية الإمارات 2071)، وهي خطة حكومية طويلة المدى تهدف إلى أن تكون دولة الإمارات من بين أفضل دول العالم بحلول الذكرى المئوية لتأسيسها. ولتحقيق ذلك، تستخدم حكومة الإمارات (منطقة 2071) كحقل اختبار لسياسات وأُطر تنظيمية جديدة تدعم صناعات متقدمة. فعلى سبيل المثال, تستضيف (منطقة 2071) (مختبر التشريعات) في دولة الإمارات (RegLab)، وهو عبارة عن بيئة تجريبية تنظيمية يتعاون فيها المشرعون مع المبتكرين لصياغة وتجربة تشريعات جديدة للتقنيات الناشئة. يتيح ذلك للشركات الناشئة في مجالات مثل التكنولوجيا المالية (فينتك) والذكاء الاصطناعي والمركبات ذاتية القيادة الحصول على تراخيص خاصة والعمل في بيئة محكمة الرقابة بينما يتم تطوير التشريعات المناسبة، مما يضمن أن تواكب السياسات وتيرة الابتكار. إن مثل هذا النهج يمكن مقارنته بمبادرات في دول أخرى تتطلع إلى المستقبل (فعلى سبيل المثال، بيئات التجريب التنظيمية في سنغافورة أو بيئة الاختبار للتكنولوجيا المالية في المملكة المتحدة)، ولكن الإمارات وسّعت هذا النهج عبر قطاعات متعددة من خلال (مختبر التشريعات)، مما يوضح كيف تعمل (منطقة 2071) كمختبر سياسات للمستقبل. وقد جمعت الحكومة أيضاً برامج رئيسية في (منطقة 2071)، مثل (المسرّعات الحكومية) (أُطلقت عام 2016 لتسريع إيجاد حلول للقطاع العام) ومسرّعات دبي للمستقبل (التي تربط الشركات الناشئة العالمية بجهات حكومية). ومن خلال جمع هذه المبادرات تحت سقف واحد، تؤدي (منطقة 2071) دور مظلة توحّد الجهود لمعالجة التحديات الوطنية عبر الابتكار. هذا التوافق بين الحكومة والمبتكرين فريد من نوعه؛ إذ يخلق حلقة تغذية راجعة تصبح فيها السياسات موجِّهة لتطوير التكنولوجيا، والعكس صحيح. وكما أشار معالي محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، إن مثل هذه المبادرات الرؤيوية هي جزء من نموذج للحكم حيث ستواصل المؤسسة توفير منصات عالمية لتبادل المعرفة والخبرات والرؤى… وتمكين نشر التقنيات الثورية لخدمة البشرية بصورة أفضل. ومن خلال التوجيه النشط ودعم منظومة الابتكار عبر (منطقة 2071)، فإن حكومة الإمارات لا ترعى صناعات جديدة فحسب، بل تعيد أيضاً رسم الكيفية التي يمكن بها للحكومات أن تصمم المستقبل بشكل استباقي جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص.
الأثر الاجتماعي والمشاركة المجتمعية
بالإضافة إلى أهدافها الاقتصادية والتكنولوجية، تولي (منطقة 2071) اهتماماً كبيراً بالأثر الاجتماعي وبالشمولية. وتتمحور الرؤية الطويلة المدى للمشروع في جوهرها حول تحسين جودة الحياة ورفاهية الإنسان، وهو مبدأ متأصل في خطة المئوية وفي خطاب قيادات الدولة. وعلى المستوى العملي، فإن (منطقة 2071) مفتوحة ومتاحة للجميع؛ حيث إن العديد من فعالياتها وورش العمل والمساحات التابعة لها متاحة لعامة الجمهور بهدف نشر ثقافة الابتكار في المجتمع. يستطيع الطلاب والمبدعون والمواطنون المشاركة في فعاليات (الهاكاثون)، وحضور محاضرات يقدمها الخبراء، أو ببساطة استخدام مساحات العمل المشتركة لتطوير أفكارهم. ومن خلال تبسيط مفاهيم التكنولوجيا وريادة الأعمال لعامة الناس، تساعد (منطقة 2071) في تنمية عقلية الابتكار لدى الشباب، وهو هدف جوهري نظراً لأن (رؤية الإمارات 2071) تؤكد على (الاستثمار في شباب الإمارات) لضمان استمرار مسيرة التنمية في البلاد. ويُعد (مركز الشباب) في (منطقة 2071) مثالاً على ذلك: فهو مساحة مخصصة لمن هم دون 35 عاماً للعمل وتعلم مهارات جديدة والتعاون في تنفيذ المشاريع. إن مثل هذا الاستثمار في الشباب يوازي مبادرات في دول أخرى (فعلى سبيل المثال، لدى (ستيشن إف) في فرنسا برامج لإشراك رواد أعمال من الفئات الأقل حظاً)، مما يبرز فهماً مشتركاً بأن مبتكري الغد يجب تمكينهم اليوم. كما تعزز (منطقة 2071) الابتكار الاجتماعي من خلال استضافة تحديات في مجالات مثل الصحة والتعليم والاستدامة، وهي قضايا ذات تأثير مباشر على المجتمع. ومن خلال جمع المنظمات غير الحكومية والدوائر الحكومية والشركات الناشئة معاً، تولّد (منطقة 2071) حلولاً مبتكرة لمشكلات المجتمع. وهذا يتوافق مع شعار (منطقة 2071) المتمثل في خدمة البشرية؛ فأي إنجاز يتحقق في هذه المجالات لن يعود بالنفع على سكان الإمارات فحسب، بل قد يفيد العالم بأسره. وباختصار، فإن الأثر الاجتماعي لـ(منطقة 2071) ذو شقين: فهي ترعى مجتمعاً شاملاً من قادة المستقبل، وتوجه الطاقة الابتكارية نحو المنفعة العامة.
التنمية الاقتصادية والشراكات العالمية
يرتكز جوهر مهمة (منطقة 2071) على تهيئة اقتصاد دولة الإمارات لمستقبل ما بعد النفط القائم على المعرفة. وتعمل هذه المنصة كمحفّز اقتصادي، حيث تدعم رواد الأعمال والصناعات الجديدة التي تنوع الاقتصاد وتعزز نمو الإنتاجية. وتغطي الشركات الناشئة المحتضنة في (منطقة 2071) قطاعات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والنقل والتكنولوجيا المالية وقطاع الفضاء، وهي جميعها قطاعات يعوَّل عليها في دفع مسيرة التنمية الإماراتية خلال الخمسين عاماً القادمة. ومن خلال توفير مختبرات حديثة ومتطورة وإرشاد متخصص وحتى تراخيص للشركات الناشئة في الموقع نفسه، تعمل (منطقة 2071) على خفض الحواجز أمام دخول الشركات الجديدة إلى السوق. ويوازي هذا النموذج ما يحدث في مراكز ابتكار عالمية أخرى؛ فعلى سبيل المثال، يوفر مركزي one-north و Fusionopolis في سنغافورة البنية التحتية وفرص التواصل للشركات التقنية، كما أن مدناً مثل بنغالور أو تل أبيب قد نمت عبر تركيز المواهب ورؤوس الأموال في مناطق الابتكار. إلا أن ما يميز (منطقة 2071) هو حجم الشراكات العالمية التي جرى تنسيقها منذ اليوم الأول لإطلاقها. ففي حفل الإطلاق، وقّعت حكومة دولة الإمارات 12 مذكرة تفاهم مع جهات دولية ومحلية كبرى للتعاون ضمن (منطقة 2071) عبر 11 قطاعاً رئيسياً. وشملت قائمة الشركاء منظمة الأمم المتحدة، وشركات مدرجة على قائمة (فورتشن 500) مثل IBM و(فايزر)، وشركات خدمات مهنية مثل (إرنست ويونغ)، فضلاً عن مبتكرين محليين وشركات رأس مال جريء. هذا التحالف الواسع من الخبرات يجسّد استراتيجية تقوم على استيراد المعرفة وتصدير الابتكار: حيث تعمل الشركات والمؤسسات العالمية جنباً إلى جنب مع الشركات الناشئة والجهات الإماراتية لحل المشكلات، ويمكن توسيع نطاق الحلول الناجحة من الإمارات إلى العالم. ومن خلال عملها كجسر يربط بين شبكات الابتكار العالمية والمشهد التكنولوجي الناشئ في الشرق الأوسط، تعزز (منطقة 2071) القوة الناعمة لدبي وفرصها الاقتصادية. وهو شبيه بكيفية نمو قطاعات الخدمات اللوجستية والمالية في دبي عبر الربط بين الشرق والغرب، والآن يحدث الأمر نفسه مع مجالي التكنولوجيا وريادة الأعمال. وقد احتضنت (منطقة 2071) بالفعل مشاريع في مجالات الطيران وتقنية سلسلة الكتل والمدن الذكية وغيرها، وغالباً ما يتم ذلك بالتعاون مع شركائها الدوليين. ومن المتوقع أن يتراكم الأثر الاقتصادي لهذه الجهود مع مرور الوقت مع نضوج هذه الشركات الناشئة وتحولها إلى شركات توفّر فرص عمل وإلى صناعات جديدة. وعلى غرار تحول تجمع شركات وادي السيليكون إلى عمود فقري لاقتصاد الولايات المتحدة، تطمح دبي لأن يقود مركز الابتكار لديها إلى مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي وإلى إيجاد وظائف عالية المهارة على المدى الطويل. كما أن وجود رأس المال الجريء (مثل “ومضة كابيتال”) وبرامج المسرعات في (منطقة 2071) يساعد أيضاً في توجيه الاستثمارات نحو مشاريع واعدة، مما يضمن استدامة النمو الاقتصادي الناتج عن الابتكار.
تُعد (منطقة 2071) نموذجاً رائداً في المشهد العالمي لمراكز الابتكار، إذ يمزج بين رؤية وطنية جريئة وإبداع مجتمعي. ويؤدي أدواراً متعددة: فهو مساحة عمل إبداعية مشتركة، وميدان لتجريب السياسات، ومركز مجتمعي، وحاضنة اقتصادية. وبالنسبة لعامة الجمهور، تمثل (منطقة 2071) رمزاً لفكرة أن المستقبل ليس مجرد شيء يحدث للوطن، بل هو شيء يمكن للوطن تصميمه بفاعلية. وغالباً ما تؤكد قيادة دولة الإمارات أن تصميم المستقبل جهد جماعي تشترك فيه الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع. ولا يتجلى هذا الأمر في مكان أكثر مما يتجلى في (منطقة 2071)، حيث تُترجم تلك الشراكة على أرض الواقع. كما تؤكد هذه المبادرة كيف أن دولاً مثل الإمارات ترسم مساراتها الخاصة في سباق الابتكار. وفي الوقت الذي تستلهم فيه دولة الإمارات النماذج الناجحة من منظومات الابتكار حول العالم، فإنها تدمج سياقها الثقافي ونهجها السياسي الفريد ضمن هذه الجهود، تماماً كما تفعل حاضنات الابتكار الصاعدة الأخرى عالمياً في عصر (الجغرافيا الجديدة للابتكار). ومع اقتراب عام 2071 أكثر فأكثر في كل عام يمضي، فمن المرجح أن تواصل (منطقة 2071) التطور، ولن يقاس نجاحها بالقيمة السوقية للشركات الناشئة أو بعدد براءات الاختراع المسجلة فحسب، بل بمدى مساهمتها في جعل المجتمع أكثر سعادة وازدهاراً. ومن خلال جمع الرؤية مع التنفيذ، وربط المواهب المحلية بالخبرات العالمية، تجسد (منطقة 2071) روح دولة الإمارات المتطلعة إلى المستقبل. وعلى حد تعبير الشيخ محمد بن راشد، فإن هذا المشروع هو بالفعل (جسر إلى المستقبل)، جسر تبنيه الدولة وشركاؤها معاً، خطوة بخطوة، نحو أفق المئوية.