
في وقتٍ لم تكن فيه الرسائل الصوتية تُرسل بضغطة زر، كان الصوت يُسجّل بحذر، وبحب، على شريط كاسيت صغير. ثم يُرسل بالبريد، ليعبر حدود الدول، ويصل بعد أيام أو حتى أسابيع إلى شخصٍ كان بانتظار سماعه.
تلك التسجيلات الصوتية، المليئة بالحنين، والضحك، والتفاصيل اليومية، أصبحت اليوم في قلب مشروع جديد تطلقه مؤسسة الشارقة للفنون تحت عنوان “الأرشيف الصوتي لأشرطة الكاسيت”، في محاولة لحفظ هذا النوع من التواصل الشخصي الذي كاد أن يختفي.
قبل ظهور تطبيقات المراسلة ومكالمات الفيديو، كانت أشرطة الكاسيت وسيلة أساسية للتواصل، خصوصاً بين المقيمين في الإمارات وعائلاتهم في بلدانهم الأصلية. كنت تجلس في غرفة هادئة، تضغط زر “تسجيل”، وتبدأ بالكلام… تحكي عن يومك، أو تطمئن على من تحب، أو حتى تسجل أغنية بصوتك.
اليوم، تدعو المؤسسة الجميع للبحث في صناديق الذكريات، والخزائن، والدرج القديم، عن تلك الأشرطة التي ربما نسيناها، لكنها تحمل قصصاً لا تقدر بثمن. المشروع يركّز على الأشرطة المسجلة بين عامي 1970 و2000، خاصة تلك التي تحتوي على رسائل شخصية متبادلة بين الأفراد والعائلات.
لا يهم بأي لغة كانت الرسائل — سواء كانت بالعربية، أو الأردية، أو المالايالام ، أو حتى التاغالوغ فكل لغة تمثل جزءاً من نسيج المجتمع الإماراتي المتنوع، وكل صوت يُعتبر شهادة حيّة على تلك المرحلة.
اللافت أن هذه التسجيلات لم تكن مثالية أو احترافية. بل على العكس، كانت بسيطة، عفوية، مليئة بالأصوات الجانبية ضحكات الأطفال، صوت التلفاز في الخلفية، أبواب تُفتح وتُغلق. لكن هذه العفوية بالذات هي ما يمنحها قيمتها العاطفية والتاريخية.
المشروع لا يهدف فقط إلى استرجاع الذكريات، بل إلى بناء أرشيف صوتي يوثق كيف تواصل الناس، وكيف عبّروا عن مشاعرهم، في زمن كانت فيه المسافة عائقاً حقيقياً.
فإذا كنت تحتفظ بشريط قديم في منزلك، فقد يكون الوقت قد حان لتُخرجه من علبته… وتُعيد لصوته الحياة.