الأحد, 27 يوليو, 2025


إعادة اكتشاف العالم: مكتبة الخرائط في مكتبة محمد بن راشد
en
يوليو, 2025
مكتبة محمد بن راشد

في قلب المشهد الثقافي المتنامي لإمارة دبي، تقف مكتبة الخرائط والأطالس كواحدة من أكثر الزوايا سحرًا وتميزًا داخل مكتبة محمد بن راشد. ليست مجرد قسم تقليدي لعرض الكتب، بل نافذة مفتوحة على العالم كما رآه البشر عبر العصور، ومرآة تعكس تطور فهمنا للجغرافيا والسفر، مدعومة بأحدث تقنيات العرض والتفاعل الرقمي.

تضم المكتبة أكثر من 7,700 مادة معرفية، تشمل الخرائط الورقية، الأطالس، كتب الرحلات، المجلات المتخصصة، ووسائط متعددة بلغات مختلفة، ما يجعلها واحدة من أغنى مجموعات الخرائط في المنطقة. لكن ما يميزها حقًا هو الطريقة التي تعرض بها هذه الكنوز التاريخية؛ فبدلاً من الاكتفاء بالمشاهدة التقليدية، يمكن للزائرين التفاعل مع المحتوى باستخدام تقنيات رقمية متقدمة تتيح تكبير التفاصيل، مقارنة الخرائط عبر الأزمنة، وحتى اكتشاف القصص وراء كل خريطة.

ومن بين القطع النادرة التي تحتضنها المكتبة، هناك رحلات محفورة في ذاكرة التاريخ. أبرزها رحلة أحمد بن فضلان إلى بلاد الترك والخزر عام 921، وتُحف الرحالة الشهير ابن بطوطة، بالإضافة إلى يوميات كريستوفر كولومبوس التي توثق رحلته إلى العالم الجديد عام 1492، ونسخة من رحلات ماركو بولو تعود لعام 1982. كل واحدة من هذه الوثائق لا تروي فقط حكاية سفر، بل تقدم مشهدًا من عصور كانت فيها المغامرة هي الطريق إلى المعرفة.

كما تحتوي المكتبة على أطالس تاريخية تعتبر روائع فنية وعلمية في آنٍ واحد، مثل أطلس “مايور” الصادر عام 1680، وأطلس “مسرح العالم” الذي طُبع في مدينة أنتويرب عام 1592، حيث تقدم هذه الأطالس تصورات بصرية مذهلة للعالم كما كان يُرسم ويُفهم في تلك العصور.

ولا تقتصر التجربة على القديم فقط، بل تمتد إلى أدب الرحلات الحديث، مع عناوين لافتة مثل “أمريكا في مرآة عربية”، و”حكايات على الحدود”، و”هكذا رأيت العالم”، التي تفتح نوافذ جديدة لفهم الذات والآخر من خلال عدسة السفر والاستكشاف المعاصر.

تعزز المكتبة من رسالتها الثقافية من خلال تنظيم فعاليات دورية متنوعة، تشمل ورش عمل، لقاءات مع مؤلفين، وجلسات قراءة جماعية. ومن بين أبرز هذه الفعاليات ورشة فنية بعنوان “العالم بين الخطوط والرموز” قدمتها المعمارية البولندية تيشكا ليفاندوفسكا، والتي استعرضت من خلالها تطور فن رسم الخرائط من العصور القديمة حتى عصر التكنولوجيا، ضمن برنامج “تمكين العقول الشابة” بالتعاون مع مبادرة “سي مور مابس”.

ويبرز التزام المكتبة بتقديم تجربة متكاملة من خلال اعتمادها على تقنيات حديثة تشمل الذكاء الاصطناعي والروبوتات التفاعلية، بالإضافة إلى منصات رقمية ذكية تسهّل على الزائرين الوصول إلى المعلومات بطريقة سلسة ومبتكرة. كما تقدم المكتبة ست فئات من العضويات تناسب جميع شرائح المجتمع، من الأطفال واليافعين إلى كبار السن، وذوي الهمم، والمؤسسات التعليمية والثقافية.

في وقت تتسارع فيه خطوات العالم نحو المستقبل، تقدّم مكتبة الخرائط والأطالس لحظة تأمل وعودة إلى الجذور. إنها ليست فقط أرشيفًا للخرائط، بل جسر يربط بين الماضي والحاضر، وبين التقاليد والمعرفة الرقمية الحديثة.

بفضل هذه الرؤية المتكاملة، تواصل مكتبة محمد بن راشد ترسيخ مكانة دبي كعاصمة عالمية للثقافة والابتكار، وتعكس التزام دولة الإمارات في بناء اقتصاد معرفي مستدام، يحترم تراثه ويصنع مستقبله في آنٍ واحد.