
تحمل ذاكرة أبناء الإمارات تواريخ لا تُنسى، تحكي مسيرة وطن حافلة بالإنجازات والتحولات الكبرى، ومن أبرز هذه التواريخ 6 أغسطس 1966، اليوم الذي تولّى فيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي.
لم يكن “أبونا زايد” مجرد زعيم سياسي، بل كان رمزاً وطنياً، وشخصية خالدة تسكن وجدان كل إماراتي. لقد زرع بذور الاتحاد في أرضٍ قاحلة، وسقاها بحبه وعدله، حتى أثمرت دولة أصبحت نموذجاً يُحتذى به في العالم.
ذلك اليوم لم يكن مجرد بداية لمرحلة حكم، بل كان بداية لمسيرة تحول تاريخية، أفضت إلى قيام دولة الاتحاد، وولادة رؤية تنموية شاملة جعلت من الإمارات دولة قوية ومزدهرة.
من التحديات إلى النهضة
عند تولي الشيخ زايد الحكم، كانت أبوظبي تعاني من تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، ومحدودية في الموارد والبنى التحتية. لكنه، ومنذ اللحظة الأولى، أطلق مشاريع تنموية واسعة، أحدثت تحولاً جذرياً في الإمارة.
تحولت الرمال إلى ناطحات سحاب، وانتشرت الحدائق في الصحراء، وأصبحت أبوظبي مدينة حديثة بامتياز. وقد وجّه، رحمه الله، موارد الدولة لتحسين حياة المواطنين، فبُنيت المدارس والمستشفيات والمساكن، وتم تعبيد الطرق، ونُشرت مظلة التنمية في كل مكان.
الإنسان أولاً
آمن الشيخ زايد بأن بناء الإنسان هو أساس بناء الأوطان، وكان التعليم في مقدمة أولوياته. فتح أبواب العلم أمام أبناء الإمارات، وسخّر الإمكانات كافة لدعم الشباب، الذين اعتبرهم الثروة الحقيقية للمستقبل.
قيادة حكيمة متواضعة
تميّز نهج الشيخ زايد بالحكمة والرؤية الثاقبة، وكان يؤمن بأن مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار. اتسمت قيادته بالتواضع والقرب من الناس، فكان يستمع إليهم، ويتفاعل مع احتياجاتهم، ويحرص على أن يكون مجلسه مفتوحاً للجميع.
قراراته لم تكن آنية، بل انطلقت من رؤية استراتيجية طويلة المدى، وضع من خلالها أسس الحكم الرشيد، ومقومات الدولة القوية. وسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، عبر توفير الفرص المتكافئة، وتمكين كل فئات المجتمع، لاسيما في مجالي التعليم والصحة.
حلم الاتحاد
منذ توليه الحكم، حمل الشيخ زايد في قلبه حلماً كبيراً: توحيد الإمارات. وقد أدرك أن التحديات لا يمكن مواجهتها إلا بالوحدة والتكاتف. فكانت بدايته الفعلية لتحقيق هذا الحلم في فبراير 1968، بالتعاون مع أخيه المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي، حيث اتفقا على توحيد الجهود نحو قيام دولة موحدة.
وبالفعل، تُوّج هذا الجهد بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر عام 1971، وأصبح الشيخ زايد أول رئيس للدولة، وقادها إلى مرحلة جديدة من العزة والكرامة والنهضة.
إرث خالد ونهج مستدام
لم يكن السادس من أغسطس مجرد ذكرى تاريخية، بل كان بداية لميلاد قائد استثنائي غيّر مجرى التاريخ في المنطقة، ووضع أسس دولة الاتحاد والتنمية الشاملة.
وقد ساهمت مواقفه داخلياً وخارجياً في ترسيخ مكانة الإمارات، وساهمت سياسته الحكيمة في تعزيز السلم والتعاون على المستويين العربي والإسلامي، حتى أصبحت الإمارات نموذجاً عالمياً في الدبلوماسية القائمة على السلام.
المسيرة مستمرة
واليوم، وبعد أكثر من خمسة عقود، تواصل دولة الإمارات المسير على نهج الشيخ زايد، تحت قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي استلهم من مدرسة زايد مفاتيح القيادة والنهضة، ليقود الوطن إلى مزيد من التقدم والازدهار.
لقد زرع الشيخ زايد بذور الاتحاد، وسقاها بعدله وحكمته، فأنبتت دولة شامخة، يشار إليها بالبنان، وتبقى ذكراه حيّة في قلوب كل من عرفه، وخلّد تاريخه في صفحات المجد.